خلال ثلاثة أشهر كانت كفيلة بتقطيع أوصال الاقتصاد العالمي تحت وطأة فيروس كورونا المستجد.. أوقف الرحلات الجوية وعطل السياحة والمؤتمرات وأوقف دروس العلم والأعمال وعرقل الإنتاج في معظم القطاعات الاقتصادية وخفض الإنتاجية الى مستويات متدنية، وأطاح بأسواق المال والسلع، والحق خسائر فادحة بالاقتصاد العالمي تقدر بأكثر من 15% من الناتج الإجمالي العالمي المقدر بحولي 85 تريليون دولار، وهذه الخسائر تتعمق يوما بعد آخر مع تفشي الوباء العالمي دون بارقة عمل في وقف هذا البلاء، ويزيد الأمور تفاقما حالة تمترس بعض الدول العظمى وراء مواقفها دون إبداء تعاون دولي لإنقاذ شعوب العالم.
الإدارة الأمريكية تعاملت متأخرة في التصدي للوباء، وألقت اللوم على الصين التي بدورها ردت بتحميل واشنطن المسؤولية، وذهب الرئيس ترمب الى تسمية الفيروس كورونا بأنه فيروس الصين في نوع من أنواع العنصرية الممجوجة، إيطاليا التي تعتبر ثالث اكبر اقتصاد أوروبي وتعد من الدول المتقدمة في توفير الخدمات الطبية من حيث نسبة الاسرَة المتوفرة في المستشفيات الى تعداد السكان، وبرغم ذلك أخفقت وأعلنت الاستسلام أمام الوباء، الإدارة الأمريكية أمرت مؤخرا نزول الجيش الى ثلاث ولايات، وهناك عدد من الدول المتقدمة منها المملكة المتحدة واسبانيا تعاني بشدة من سرعة تفشي فيروس العصر.
2020 سيكون الأسوأ منذ عقود وتداعيات الوباء على الاقتصاد غاية في الصعوبة، فالنمو سينخفض بنسبة لا تقل عن 10%، وهذا يقود الى ارتفاع معدلات البطالة والفقر وزيادة العجوز المالية لموازنات الدول التي تنعكس سلبيا على البرامج الرأسمالية، ويزيد النفقات على الصحة وبدلات دعم الفقراء والمتعطلين عن العمل، ويؤدي يقينا الى ارتفاع الديون الى مستويات غير مسبوقة، حيث يقدر الدين العام للعالم حاليا بثلاثة أضعاف الناتج الإجمالي العالمي، وهذا يقود الى البحث عن نظام مالي عالمي جديد متعدد الأقطاب.
سرعة انهيار اقتصاد العالم سببه الأساسي الحروب الحديثة المتلاحقة التي تجاوزت استخدام الأسلحة التقليدية الى حروب متنوعة مما أدى الى إرهاق شعوب الأرض لصالح فئات تحتفظ بالثروات والتفرد بالقرارات التي كانت ولا زالت في غير صالح الشعوب والأمم، وشكل ضعف عدالة توزيع الاقتصاد في المجتمعات ذروة ذلك.
العالم يتهيأ إلى إعادة بناء نظام عالمي جديد أكثر إنصافا بعد عقود من العنف والعناء والأرجح ان غياب قوى عظمى عن مشهد قيادة العالم لصالح دول وشعوب أخرى، وفي هذا السياق ان الدول الكبيرة والصغيرة أمامها فرص حقيقية لإعادة بناء اقتصاداتها وفق آليات جديدة من العدالة والإنصاف سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.