لا شك أن جائحة كورونا لها تبعات وأضرار هائلة ليست على الاقتصاد الأردني وحسب؛ بل على الاقتصاد العالمي كله، ورغم كل المعاناة التي تلازم البشرية جمعاء في مواجهة هذا الوحش التاريخي الذي لم تعهده الإنسانية منذ قرون؛ إلا أننا رغم كل ذلك مرغمون على النظر بعقلانية عند حساب الربح والخسارة للاقتصاد الوطني الأردني.
فبينما تشير المعطيات الأولية لخسائر باهظة سيتكبدها اقتصادنا الوطني جرّاء خسائره الجسيمة في كافة القطاعات لا سيّما تلك القطاعات التي طالما كانت تشكّل رافعة لهذا الاقتصاد مثل قطاع السياحة، ناهيك عن تكلفة مكافحة انتشار المرض ومعالجة المصابين به، وخسائر المنح والمعونات التي كان يقدمها المجتمع الدولي للأردن، رغم كل ذلك يمكن لنا أيضاً رصد العديد من الفرص التي يمكن استثمارها لتحقيق مكاسب ملموسة لهذا الاقتصاد.
وعلى ضوء هذا الانعزال العالمي الذي فرضته الجائحة؛ وبعضهم اعتبرها نهاية لعصر العولمة وعودة لأدبيات الدولة القومية من جديد؛ فقد أصبحت جميع بلدان العالم مطالبة بالاعتماد على مقدّراتها وإمكانياتها الذاتية في كافة القطاعات، فقد أغلقت كافة مطارات العالم، مثلما أغلقت غالبية مصانعه على هامش الحجر العالمي الكبير، وبالتالي فقد أصبحت الفرصة مواتية مرة أخرى أمام الصناعات المحلية للنهوض اعتمادا على إمكانياتها وقدراتها الذاتية والتي كانت قبل عصر الاجتياح الصيني الكبير تشكّل منتجات حازت على ثقة المستهلك المحلي والعربي في أحيان أخرى.
وقد كانت واردات الأردن من الصين وهي ثاني شريك للأردن تشكل حوالي 3.4 مليار دولار سنويا، وعلى هامش كورونا سوف يتضاءل هذا الرقم بشكل كبير دون أدنى شك، لكن؛ هل يتم الاستعاضة عن المنتج الصيني بالمنتج المحلي؟ ناهيك عن فرص تسويق المنتجات الأردنية بالأسواق الإقليمية العربية في ظل تراجع الإقبال على البديل الصيني ولو مرحلياً.
أما قطاع الزراعة فثمة فرص تنتظره إذا تم التخطيط له جيداً وتوجيه رؤوس الأموال للاستثمار به بكثافة تعزز تحقق الأمن الغذائي الوطني وتوسيع سلة غذائنا وقدرتنا على التصنيع الغذائي والتصدير للمحيط العربي، لا سيّما وأن معدلات الهطول المطري خلال الأعوام الأخيرة وسياسات الحصاد المائي المجدية تشكّل روافع حقيقية لهذا القطاع مع توافر الموارد والخبرات البشرية المؤهلة، والأنظمة التكنولوجية الحديثة.
ومن فرص الاقتصاد الأردني التي يمكن السعي لاستثمارها انخفاض أسعار المواد الخام عالمياً، والأردن يعتبر مستورداً لغالبية المواد الخام التي تدخل في ناتجه القومي الإجمالي وعلى رأسها البترول الذي هبط لمستويات قياسية غير معهودة عبر عقود.
إن الفرصة الأبرز اليوم أمام القائمين على التخطيط للاقتصاد الوطني الأردني هي السعي لتعظيم القيم المضافة الحقيقية باستعادة أهمية ومكانة القطاعين الإنتاجيين الأبرز: الصناعة والزراعة والتي تراجعت خلال العقدين الأخيرين لمصلحة قطاعات الخدمات، دون الإضرار بمكاسب قطاع تكنولوجيا المعلومات وانجازاته الملموسة.