منذ اغتيال النقراشي باشا أواخر اربعينيات القرن السابق, لم تدخل جماعة الإخوان في نفق مظلم كما هي عليه الآن , وإذا كان حسن البنا -رحمه الله -قد نجح بتجاوز أزمة تلك الحقبة في مصر ودفع حياته ثمنا لها بعد ذلك , فلا أحد الآن من الإخوان يملك “كاريزما” حسن البنا كما ان الخصومة تنتقل مثل النار في الهشيم من بلد الى آخر وليس في مصر وحدها , فهل بات الإخوان خطرا على المجتمعات والدول أم أن الخطر يحوم حول الإخوان كجماعة وفكرة ؟
المقاربة بتوقيت اغتيال النقراشي باشا الذي أشارت أصابع الاتهام فيه الى الجهاز الخاص للجماعة وهو نفسه المتهم باغتيال البنا ليس المقصود منها إثبات تطرف الجماعة من عدمه بل المقصود التأريخ للحدث بوصفه انعطافة تاريخية في علاقة الإخوان مع الدولة المصرية قبل وصولها الى الانسداد بعد محاولة اغتيال عبد الناصر من قبل الجهاز الخاص نفسه , وبداية نسجها علاقات خارجية مع دول الإقليم العربي كمهرب آمن للازمة الداخلية , ونجحت الجماعة بوضع لافتاتها في معظم دول الجامعة العربية بخاصة الأردن وحصولها على دعم غير مسبوق – بغياب اللافتة – من السعودية وباقي دول الخليج العربي , مستثمرة في خصومة تلك الأقطار مع عبد الناصر -رحمه الله- وحقبته التاريخية .
صعوبة مرحلة النقراشي والصدام مع الحقبة الناصرية , تبدو مريحة نسبيا للجماعة من الحقبة الحالية خصوصا بعد ادراجها على قائمة التنظيمات الارهابية في السعودية , الدولة التي وفرت لدعاة الجماعة كل سبل النجاح والوصول الى اصقاع العالم , ولعل بيان مكتب التنظيم العالمي اشار الى ذلك صراحة وهو يعاتب السعودية على الحظر , والصعوبة مردّها الى ان الحظر قد تتسع حدوده ليشمل اقطارا عربية اخرى , أما مصر فالجماعة على موعد متجدد مع الحظر والمنع رغم صعوبته الآن , ففي مرحلة مرسي كشفت الجماعة قيادتها وافرادها ووضعتهم امام الجميع وستحتاج طويل وقت للعودة الى السرية المعهودة عنها .
الجماعة وعبر تاريخها الطويل حافظت على علاقة دافئة مع معظم الانظمة , وظلت تعمل علانية او بنظام المسكوت عنه في كل الدول العربية بإستثناء تونس وسوريا والعراق ابان البعث العربي الاشتراكي ,وحافظت على هذه الميزة النسبية , قبل ان تخسرها لصالح التحالف مع دولة خليجية بعينها لا تحتفظ بعلاقات دافئة مع مرضعتها السياسية والمالية وظهر قبل ذلك انعطافات خطيرة في علاقاتها مع الدول التي منحتها الأمان والعمل العلني وكشفت الجماعة عن شهوة للسلطة لم تكن بارزة عند الجماعة الدعوية التي تنشد تنشئة الافراد والمجتمع على قيم الاسلام السمح .
هذا الاستعجال في الكشف او هذا التغير في نمط الجماعة وعلاقتها مع الانظمة لم تكن صادمة فالجماعة شاركت في الانتخابات البرلمانية في معظم الدول وشكلّت احزابا سياسية , فما الذي تغير طالما ان النوايا لم تكن غريبة او مُستحدثة ؟
المُتغير البارز ان الجماعة خالفت شروط العمل مع الانظمة وتخلّت عن مرونتها السياسية في التحالفات ووضعت بيضها في سلة واحدة , فحملت وزر السلة ذاتها كما حملت وزر صعودها السريع الى السلطة واستعجالها هذا الوصول بل لامست فكر البعث بدعمها الانقلاب كما في قطاع غزة مع حركة حماس , مُنهية بذلك عهدها مع البناء السياسي التراكمي وكاشفة عن متغيرات جذرية تُخالف اصل العلاقة , ولعل موقف الجماعة من انقلاب حماس اثار ريبة انظمة كثيرة والاخطر انه كشف ان الجماعة تتحدث بأكثر من لغة تحت ذريعة المرونة لكل جماعة داخل القطر الذي تعمل فيه ويمكن ببساطة رصد التغيرات في العلاقة بين الجماعة وحلفائها من الانظمة والدول .
الجماعة قدمّت نفسها ذراعا للدول في مواجهة الخصوم من التيارات الفكرية العلمانية واليسارية ولم تُقدم نفسها وريثا للدولة او شريكا لها كما هو سلوكها بعد انقلاب حماس ونجاحها في مصر والمغرب وتونس عبر صناديق الاقتراع , وهذا هو المفصل الرئيس في اللحظة الراهنة التي تتطلب ان تُعيد الجماعة قراءتها فهي في كثير من الاقطار ظامة ومظلومة في ذات الوقت .