أخر الأخبار
سوريا على مشارف عام جديد!
×
كتب أكرم البني
بعيدا عن التنبؤات وتوقعات علماء الفلك والأبراج وبعيدا عن الأوهام والأضاليل، ثمة أحداث مؤلمة تجري على الأرض السورية تفوح برائحة الدم والخراب، يتمنى لها المتفائلون أن تنتظم في مسار خلاصي يبدأ بوقف العنف، فتغيير جذري يزيل الاستبداد ويرسي قواعد الحياة الديمقراطية في البلاد، بينما يخشى المتشائمون أن تؤدي رعونة السلطة وإصرارها على منطق القوة والعنف إلى الانزلاق نحو المجهول، وأوضح ما فيه المزيد من الضحايا والدمار والتشرد، وربما حرب أهلية مديدة تقود إلى تخندقات وانقسامات عميقة بين أبناء الوطن الواحد.
لا ريب في أن العام الجديد سيضع حدا لمعاناة السوريين، يقول المتفائلون ويعتقدون أن الصراع وصل أوجه وصار استمراره، باعتراف الجميع، عبثيا وأشبه بحالة استنزاف لقوى عاجزة عن الحسم، والأهم انحسار الثقة بالنظام عموما وبخياره العنفي وقد جرب على مرأى من العالم كل أصناف الأسلحة والخطط الحربية ولم ينجح في إضعاف الثورة أو الحد من قدرتها على التجدد، بدليل تنامي أعداد المسلحين واتساع المساحات والمناطق الخارجة عن السيطرة، وتكاثر حالات التهرب من المسؤولية والانسحاب من صفوف الجيش والأمن ومن حزب البعث وملحقاته النقابية، الأمر الذي يضع، برأي هؤلاء، الحالة السورية على نار حامية، عربيا ودوليا، لإحداث التغيير المطلوب، ويرجحون أن تحتل المشهد نخبة من الشخصيات المعارضة للتفاوض على نقل السلطة، وقيادة مرحلة انتقالية تنتهي بإقرار دستور جديد وإجراء انتخابات عامة.
يعتبر المتشائمون أن سلطة على مثال السلطة السورية لن تتوانى عن جر المجتمع كله إلى الاقتتال والخراب من أجل الحفاظ على امتيازاتها وبقائها في الحكم، مما ينذر بتفكيك البنية الوطنية وعناصر تماسكها وتقويض الدولة وجر البلاد إلى حرب أهلية قد تطول، وخير برهان الازدياد المطرد للعنف ولأعداد الضحايا والمفقودين والمشردين، واستخدام مختلف الأسلحة، والقصف العشوائي لأماكن السكن في معظم المدن والأرياف السورية، وحصارها المزمن والضغط على حاجاتها وخدماتها وشروط معيشتها، تعزز هذا الخيار شخصيات فاسدة ومرتكبة ترفض التنازل عن مواقعها وامتيازاتها حتى لو كان الطوفان، وتبحث عن فرصة للإفلات من المحاسبة والعقاب، ربما عبر تحصين نفسها ضمن وسطها الاجتماعي وفي مناطق تستطيع الدفاع عنها إن فشلت سيطرتها على المجتمع ككل، مطمئنة إلى الدعم السخي من حلفائها، وخاصة إيران التي لن تتخلى ببساطة عما راكمته من نفوذ طيلة عقود، وإلى مجتمع دولي لا يكترث بما يحصل من فظائع وأهوال، وكأنه بشعوبه وحكوماته يتفرج على هذا الفتك اليومي بالمدنيين، مثلما يتفرج على مسلسل تلفزيوني أو صور من عالم آخر، والفاجعة في التحذير الأممي الأخير للنظام بأن استخدام السلاح الكيماوي خط أحمر، بما هو إباحة لكل ما دونه من وسائل القمع والتنكيل!
تستقبل البلاد عاما جديدا والوضع الاقتصادي وصل إلى الحضيض، لقد أفضى القصف والتدمير إلى انهيار القطاعات الإنتاجية والخدمية، وخربت حمم القذائف والآليات الثقيلة الأراضي الزراعية، ومنع الانتشار الأمني الكثيف نقل المحاصيل بصورة آمنة إلى الأسواق، وأفضى شح المواد الأولية جراء وقف الاستيراد، وضعف التسويق ومنافذ التصدير، إلى انهيار الصناعة، فأغلقت مئات المصانع أبوابها أو قلصت إنتاجها، وسرح الآلاف من عمالها، ولاقى قطاع السياحة المصير الأسوأ كأن دوره انتهى اليوم تماما، مثلما انتهت فرص الاستثمار، وبديهي ألا يأمن رأس المال لساحة معرضة لمزيد من الفوضى والاضطراب، ناهيكم بتعطل أغلب المشاريع الاستثمارية التي كانت تسير بصورة طبيعية، وتراجع دور البنوك العامة والخاصة جراء العقوبات وهروب الكثير من رؤوس الأموال إلى الخارج، والأهم تدهور معيشة المواطن، إن لجهة عدم توافر السلع الأساسية التي تفقد تماما في المناطق الساخنة، كالخبز والمواد الغذائية والأدوية والغاز والمازوت، أو لجهة انهيار القدرة الشرائية، مع خسارة الليرة السورية أكثر من 50% من قيمتها، أو لجهة تهتك وتفكك شبكات الخدمات التعليمية والصحية، دون أن ننسى معاناة المهجرين داخل البلاد الذين آثروا الانتقال من المناطق الخطرة، أو اللاجئين في البلدان المجاورة، حيث أفضى تسارع الزيادة في أعدادهم إلى انحسار القدرة على توفير أهم الاحتياجات الإنسانية لهم!
المدهش مع إطلالة السنة الجديدة أن غالبية السوريين، ورغم سوء عيشها وما تكابده، لا تزال متحمسة للثورة وللتغيير، وتتطلع إلى التخلص من الاستبداد أيا تكن الآلام، في إشارة إلى تكيفها السريع مع شح الموارد، خاصة في المناطق التي خرجت عن سيطرة السلطة، حيث تترك بلا كهرباء ولا ماء وتحرم من أبسط الحاجات الحيوية للعيش، مما يظهر عمق التحدي وحجم المسؤولية الواقعة على عاتق المعارضة بمكونيها السياسي والعسكري، وعلى الكوادر الميدانية واللجان الأهلية في تلك المناطق، إن لجهة خلق نمط من التعاون الصحي بين الناس والتوزيع العادل للاحتياجات المعيشية، وإن لجهة الحد الحازم من التجاوزات والخروقات التي يمكن أن تنشأ في ظل غياب دور الدولة، والغرض بذل كل الجهود لإظهار صورة صحية وإيجابية عن مجتمع واعد ينسجم مع شعارات الحرية والكرامة التي تبناها، ويقطع الطريق على المتصيدين في المياه العكرة، والمشككين في قدرة الحراك الثوري على إدارة البلاد وتنظيم حياة الناس.
«إننا محكومون بالأمل».. هي عبارة يتبادلها بعض النشطاء وهم يستقبلون عاما جديدا، ربما بقصد الاعتراف بأن مخاض الثورة سيكون صعبا جدا أمام آلة عسكرية مدججة بأفتك الأسلحة، وسوف يكتظ بالضحايا والآلام وبمعاناة ومكابدة لم يشهد شعب ثائر لها مثيلا، وربما لإظهار الثقة بجدوى استمرار الثورة وبأن توحيد صفوفها وتصويب أخطائها، قد يخفف من وطأة هذا المخاض وثقله ويعجل وصول الناس إلى حقوقهم وما يتطلعون إليه!
منقول عن "الشرق الأوسط" السعودية
كتب أكرم البني
بعيدا عن التنبؤات وتوقعات علماء الفلك والأبراج وبعيدا عن الأوهام والأضاليل، ثمة أحداث مؤلمة تجري على الأرض السورية تفوح برائحة الدم والخراب، يتمنى لها المتفائلون أن تنتظم في مسار خلاصي يبدأ بوقف العنف، فتغيير جذري يزيل الاستبداد ويرسي قواعد الحياة الديمقراطية في البلاد، بينما يخشى المتشائمون أن تؤدي رعونة السلطة وإصرارها على منطق القوة والعنف إلى الانزلاق نحو المجهول، وأوضح ما فيه المزيد من الضحايا والدمار والتشرد، وربما حرب أهلية مديدة تقود إلى تخندقات وانقسامات عميقة بين أبناء الوطن الواحد.
لا ريب في أن العام الجديد سيضع حدا لمعاناة السوريين، يقول المتفائلون ويعتقدون أن الصراع وصل أوجه وصار استمراره، باعتراف الجميع، عبثيا وأشبه بحالة استنزاف لقوى عاجزة عن الحسم، والأهم انحسار الثقة بالنظام عموما وبخياره العنفي وقد جرب على مرأى من العالم كل أصناف الأسلحة والخطط الحربية ولم ينجح في إضعاف الثورة أو الحد من قدرتها على التجدد، بدليل تنامي أعداد المسلحين واتساع المساحات والمناطق الخارجة عن السيطرة، وتكاثر حالات التهرب من المسؤولية والانسحاب من صفوف الجيش والأمن ومن حزب البعث وملحقاته النقابية، الأمر الذي يضع، برأي هؤلاء، الحالة السورية على نار حامية، عربيا ودوليا، لإحداث التغيير المطلوب، ويرجحون أن تحتل المشهد نخبة من الشخصيات المعارضة للتفاوض على نقل السلطة، وقيادة مرحلة انتقالية تنتهي بإقرار دستور جديد وإجراء انتخابات عامة.
يعتبر المتشائمون أن سلطة على مثال السلطة السورية لن تتوانى عن جر المجتمع كله إلى الاقتتال والخراب من أجل الحفاظ على امتيازاتها وبقائها في الحكم، مما ينذر بتفكيك البنية الوطنية وعناصر تماسكها وتقويض الدولة وجر البلاد إلى حرب أهلية قد تطول، وخير برهان الازدياد المطرد للعنف ولأعداد الضحايا والمفقودين والمشردين، واستخدام مختلف الأسلحة، والقصف العشوائي لأماكن السكن في معظم المدن والأرياف السورية، وحصارها المزمن والضغط على حاجاتها وخدماتها وشروط معيشتها، تعزز هذا الخيار شخصيات فاسدة ومرتكبة ترفض التنازل عن مواقعها وامتيازاتها حتى لو كان الطوفان، وتبحث عن فرصة للإفلات من المحاسبة والعقاب، ربما عبر تحصين نفسها ضمن وسطها الاجتماعي وفي مناطق تستطيع الدفاع عنها إن فشلت سيطرتها على المجتمع ككل، مطمئنة إلى الدعم السخي من حلفائها، وخاصة إيران التي لن تتخلى ببساطة عما راكمته من نفوذ طيلة عقود، وإلى مجتمع دولي لا يكترث بما يحصل من فظائع وأهوال، وكأنه بشعوبه وحكوماته يتفرج على هذا الفتك اليومي بالمدنيين، مثلما يتفرج على مسلسل تلفزيوني أو صور من عالم آخر، والفاجعة في التحذير الأممي الأخير للنظام بأن استخدام السلاح الكيماوي خط أحمر، بما هو إباحة لكل ما دونه من وسائل القمع والتنكيل!
تستقبل البلاد عاما جديدا والوضع الاقتصادي وصل إلى الحضيض، لقد أفضى القصف والتدمير إلى انهيار القطاعات الإنتاجية والخدمية، وخربت حمم القذائف والآليات الثقيلة الأراضي الزراعية، ومنع الانتشار الأمني الكثيف نقل المحاصيل بصورة آمنة إلى الأسواق، وأفضى شح المواد الأولية جراء وقف الاستيراد، وضعف التسويق ومنافذ التصدير، إلى انهيار الصناعة، فأغلقت مئات المصانع أبوابها أو قلصت إنتاجها، وسرح الآلاف من عمالها، ولاقى قطاع السياحة المصير الأسوأ كأن دوره انتهى اليوم تماما، مثلما انتهت فرص الاستثمار، وبديهي ألا يأمن رأس المال لساحة معرضة لمزيد من الفوضى والاضطراب، ناهيكم بتعطل أغلب المشاريع الاستثمارية التي كانت تسير بصورة طبيعية، وتراجع دور البنوك العامة والخاصة جراء العقوبات وهروب الكثير من رؤوس الأموال إلى الخارج، والأهم تدهور معيشة المواطن، إن لجهة عدم توافر السلع الأساسية التي تفقد تماما في المناطق الساخنة، كالخبز والمواد الغذائية والأدوية والغاز والمازوت، أو لجهة انهيار القدرة الشرائية، مع خسارة الليرة السورية أكثر من 50% من قيمتها، أو لجهة تهتك وتفكك شبكات الخدمات التعليمية والصحية، دون أن ننسى معاناة المهجرين داخل البلاد الذين آثروا الانتقال من المناطق الخطرة، أو اللاجئين في البلدان المجاورة، حيث أفضى تسارع الزيادة في أعدادهم إلى انحسار القدرة على توفير أهم الاحتياجات الإنسانية لهم!
المدهش مع إطلالة السنة الجديدة أن غالبية السوريين، ورغم سوء عيشها وما تكابده، لا تزال متحمسة للثورة وللتغيير، وتتطلع إلى التخلص من الاستبداد أيا تكن الآلام، في إشارة إلى تكيفها السريع مع شح الموارد، خاصة في المناطق التي خرجت عن سيطرة السلطة، حيث تترك بلا كهرباء ولا ماء وتحرم من أبسط الحاجات الحيوية للعيش، مما يظهر عمق التحدي وحجم المسؤولية الواقعة على عاتق المعارضة بمكونيها السياسي والعسكري، وعلى الكوادر الميدانية واللجان الأهلية في تلك المناطق، إن لجهة خلق نمط من التعاون الصحي بين الناس والتوزيع العادل للاحتياجات المعيشية، وإن لجهة الحد الحازم من التجاوزات والخروقات التي يمكن أن تنشأ في ظل غياب دور الدولة، والغرض بذل كل الجهود لإظهار صورة صحية وإيجابية عن مجتمع واعد ينسجم مع شعارات الحرية والكرامة التي تبناها، ويقطع الطريق على المتصيدين في المياه العكرة، والمشككين في قدرة الحراك الثوري على إدارة البلاد وتنظيم حياة الناس.
«إننا محكومون بالأمل».. هي عبارة يتبادلها بعض النشطاء وهم يستقبلون عاما جديدا، ربما بقصد الاعتراف بأن مخاض الثورة سيكون صعبا جدا أمام آلة عسكرية مدججة بأفتك الأسلحة، وسوف يكتظ بالضحايا والآلام وبمعاناة ومكابدة لم يشهد شعب ثائر لها مثيلا، وربما لإظهار الثقة بجدوى استمرار الثورة وبأن توحيد صفوفها وتصويب أخطائها، قد يخفف من وطأة هذا المخاض وثقله ويعجل وصول الناس إلى حقوقهم وما يتطلعون إليه!
منقول عن "الشرق الأوسط" السعودية
آخر اخبار القسم
مختارات الكاشف
- زيلينسكي: استخدام روسيا لصاروخ جديد في الحرب “تصعيد خطير”
[المشاهدات: 1]
- الشرطة البرازيلية تتهم بولسونارو رسميا بالتخطيط لانقلاب
[المشاهدات: 1]
- وقف النار في الجنوب اللبناني وما بعد!
[المشاهدات: 2]
تابعونا على الفيس بوك