لما بات شرط تمرير مقترحات لمد فترة المفاوضات، حسب ما تسربت خطوطها العامة، هو وقف الاستيطان في الضفة؛ بدا أن الساعات التي أمضاها وزير الخارجية الأميركي جون كيري، في مباحثاته الأخيرة من نتنياهو، كانت في معظمها للتغلب على العقبة الأيديولوجية لدى اليمين العنصري الحاكم في إسرائيل. وعليه، فإن وقف الاستيطان، في حال عرض الصفقة لتمريرها بموافقة الجانب الفلسطيني عليها؛ هو محض "تجميد هادئ" بمعنى أن لا يكون ثمة إعلان عن وقف الاستيطان باعتباره انتهاكاً لعملية التسوية واعتداءً على الحق الفلسطيني، وإنما أن يوكل لوزير الحرب موشي يعالون باعتباره المسؤول عن الأراضي المحتلة، لكي يعطل صدور تراخيص بناء الوحدات الاستيطانية الجديدة وعطاءاتها، وتعليق عمليات بيع حكومة نتنياهو أراضٍ من الضفة لمقاولين. وهذا التدبير في حال الأخذ به، لا يشطب مبدأ عدم جواز الاستيطان في الأراضي المحتلة، وإنما هو بمثابة تعليق مجزأ ومؤقت للعمل به، توخياً للتملص من الضغوط الدولية. ولأن القدس الشرقية تعرضت للضم القسري، فإن صدور التراخيص لا يخضع لمسؤولية يعالون، وبالتالي ستكون مستثناة من هذا "التجميد الهادئ". هنا يجري دفع السياسة الإسرائيلية الى الأمام، بتدابير من خارج السياسة ومن خارج محددات العملية السلمية ومرجعياتها، ناهيك عن مبادئ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة. فضم القدس يُعد انتهاكاً لكل القوانين، وهو باطل على ما تقرر السياسة ومرجعيات العملية السلمية.
صفقة البنود الخمسة، التي تسربت عناوينها، اشتملت على ثلاثة بنود مخادعة وبندين ملّغمين. فقد جعلوا إطلاق الدفعة الرابعة من أسرى ما قبل "أوسلو" بنداً، بينما المنطقي هو التنفيذ دون الحاجة الى بند في صفقة جديدة. والإفراج عن نحو 400 أسير أوشكت مدد محكومياتهم على الانتهاء، لا يرتفع الى سويّة الاستحقاق الذي يُخصص له بند في الصفقة. وأن تُفرج أميركا أو لا تُفرج، عن الجاسوس جونثان بولارد، لا يعنينا، لكي يُدرج الأمر في صفقة تُعرض على الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. وبالمناسبة إن هذه المسألة، على الرغم من عدم علاقتنا بها، جرى توظيفها في الإعلام الإسرائيلي، في سياق تحريضي يزعم أن الطرف الفلسطيني يعارض إطلاق بولارد. أما بذاءة الخديعة، فيما خرج به جون كيري بعد مباحثات مطولة مع نتنياهو، هو البند المتعلق بـتجميد إسرائيل "معظم البناء الاستيطاني" دونما إيضاح للكَم، أي لحجم المعظم، أو حجم بعض الاستيطان. أما الكيف فهو مجرد تجميد، بمعنى أن مبدأ الاستيطان في أراضي الضفة لا تراجع عنه. هنا نتساءل عن أية تسوية يتحدث كيري ويتحدث الإسرائيليون إن كانت تل أبيب ستظل متمسكة بمشروعها الاستيطاني؟!
ثم إن هناك، من الناحية العمليّة، إشكالية متوقعة عند تنفيذ بنود هذه الأطروحة على بؤسها. فوزير الحرب يعالون، الذي أحيلت اليه الخديعة، بصيغة وعد بتعطيل عطاءات البناء، لن يعارك وزير الإسكان، الذي يدفع باسم الحكومة، نشاطات التوسع الاستيطاني. والأخير، أوري إرئيل من حزب "البيت اليهودي" المتطرف، لا يطيق سماع كلمة مفاوضات، وهو من متزعمي المستوطنين، ولا تعنيه مقاصد نتنياهو الذي حث على البدء بمشروع استيطاني فيما يُسمى مستوطنة "جيلو" القائمة على أراضي بيت جالا في الضفة. فنتنياهو يريد تعويدنا على التمييز بين استمرار الاستيطان في الضفة والاستيطان في القدس، واعتبار الأول قابلاً للتجميد، بحكم ضرورات وحسابات سياسية، بينما الاستيطان الثاني لا رجعة عنه.
الآن، ومن واقع المأزق الذي يمر به وزير الخارجية الأميركي جون كيري، نرى أن الرجل يعطي نتنياهو تنازلاً يباهي به أمام معسكر اليمين المتطرف، في موضوع الجاسوس بولارد، لكي ينتزع منه بعض التراجع الذي لا يلبي مستلزمات العملية السلمية. لكن الموقف الفلسطيني الذي لا محيد عنه، هو أن أي تمديد للمفاوضات، لن يكون على حساب الأرض الفلسطينية، بمعنى لا تمديد مع استمرار الاستيطان. فالجواب على التوسع الاستيطاني هو الذهاب الى المنابر الدولية، طلباً لتدخل العالم لوقف بناء واقع الفصل العنصري الجديد في العشرية الثانية من القرن الحادي والعشرين. ولا تمييز في هذا المبدأ، بين القدس العربية الشرقية والضفة. أما الإفراج عن بقية الأسرى القدامى، فهو متفق عليه وينبغي أن يكون من تحصيل الحاصل!