قصاصات ورسومات وملصقات يحاول أن يضعها بزاوية 30 درجة نحو اليمين واخرى بجانبها وهو مائل راسه محدق العينين شادا عضلات ساعديه نحو اليسار كجدارية تبعث في نفسه الامل والتفاؤل ... ثلاثون يورو وخمسة وثمانون سنتا يضعها على طرف الطاولة وفي المقابل مجموعة فناجين من القهوة تختلف حالتها من صلبة متحجرة ..لزجة.. فسائلة تبعا للايام الاربعة التي تكاسل في ان يغسلها الا عند اللزوم او لنقل عندما لا يجد في مطبخه فنجانا اخر.. بقايا قطعتين من الحلوى في علبة كانت قد ارسلت له مع اخر عادة ما يخاطبه قائلا «هلا بلدية» قدم مؤخرا بعد اجازة خاطفة واظن بانها ليست صالحة للاكل الا ان قيمتها التي اكتسبها من انقطاع نظيرها في بلاد ما وراء البحار حتم عليه الاحتفاظ بها بل وربما فكر في اللحظة المناسبة التي سيسترخي مستمعا لمقطع فكر مسبقا في اختياره لكي يستمتع ويتذوق ويشعر بوطن و ربما لينسى او يتناسى واقع وجوده.
يفتح جهازه المحمول وقبل ان ينقر زر الاتصال يرى بان اخر مكالمة كانت قبل ثلاث ساعات سأل خلالها عن جدته التي في المشفى وعن الخلاف الاخير الذي حصل في عمارته بين الجيران وعن اداء اخوته في المدرسة وحتى عن سبب زيارة ابنة الجيران لبيت اهلها عندما راى ابنها يلعب مع اخوته ... فكر بسبب مقنع ليعاود الاتصال ويحفظ ماء وجهه ولكن رغبته بالاتصال سبقت .... حاول ان يجد مقدمة يشرع بها حديثه ولكن سرعان ما فُتح الخط ... تلعثم قليلا بعد ان شعر بارتياح محارب قد ترجل عن فرسه بعد رحلة مضنية وقد نزع غماد سيفه واستلقى متجردا من كل النياشين والاوسمة والالقاب مستسلما لسكون تلك الكلمات التي تحمل السلام في ثناياها وبعد ان ارخت الراحة سدائلها على عاتقيه و استفاق برعشة خفيفة رمشت عيناه سريعا واعتذر عن الازعاج الغير مقصود لانه لم يكن يريد الاتصال.
طالما كنت ارفض فكرة الحنين التي يتملق بها كثيرون الى شوارع وازقة الطرقات سرعان ما حلت اقدامنا بلاد المهجر فنقنع انفسنا باننا قد تركنا بحبوحة العيش التي طالما تنعمنا بها واولئك الطيبين المتسامحين الذين تهجدنا للخلاص من رؤيتهم ...ولكن هي ذا ماهية ذواتنا نحن الاردنيين، فتجدنا على عكس غيرنا نقرر الرجوع في اللحظات الصعبة القاسية الثقيلة على كاهل الوطن، فكيف لنا ان نتابع عن بعد ما يجري في اردننا الذي لطبيعة كونه وطننا الام خصوصية لا يمكن ان تجدها في كل شعوب اهل الارض .. خصوصية الام التي اذا ما تعبت يلتم ابناؤها حولها من كل صوب ليقدموا لها كل ما يملكون وما لا يقدرون عليه ايضا.
الى كل من حزم أمتعته وترك وراءه واقعا قد أجبره البحث عن لقمة عيشه لكم ايها الصادقون الجادون الكاذبون بين خبايا ثناياكم ايها الهانئون ببحبوحة الماديات المرهقون من حمل امتعتكم المثقلة شوقا و حنينا لكم مني السلام اينما كنتم وكيف ما حللتم.