في ظل حظر التجول إحدى قريباتي مرض ابنها ذو السنتين . كان الوقت ليلاً . نزلت الى الشارع مع شقيقتها حاملة ابنها الذي كان يتلوى ويبكي من مغص حاد.
مرت سيارة جيب للجيش .توقفت عندها وسألها العسكري عن سبب وقوفها فأخبرته عن حالة ابنها وقالت له أنه لا سيارة لديها او لوالدها أو احد إخوتها . قال لها « ولا يهمك يا أختي، تفضلوا اطلعوا .
واصلت حديثها لي قائلة : والله يا خال أخذونا لمستشفى البشير .نزلنا انا و أختي دخلنا الولد على الطوارئ , فحصه الدكتور وأعطانا دواء لأنه حالته بسيطة . صارت المشكلة كيف بدنا نرجع للبيت مع منع التجول ؟! وقفنا على باب المستشفى لا ندري ماذا نفعل واذ بالعسكري الذي أوصلنا أمامنا يقول لنا : تفضلي يا أختي الحمد لله على سلامة ابنك . ذهلنا ..لم نصدق يا خال .
لقد انتظرونا حوالي ساعة وأعادونا الى البيت . وطول الطريق وانا أشكرهم و أدعو لهم أن يحميهم الله وينصرهم ولن أنسى ما حييت هذا الموقف من الجيش .
مواقف الجيش والدفاع المدني والأمن العام وأجهزة الدولة في أزمة كورونا تسجل في صفحات مشرقة لهذا البلد. إنهم بشر يبردون و يتعبون، هم ليسوا حديداً لكن عزيمتهم من حديد.
فقد تداولت وسائل التواصل الاجتماعي قصة مواطن، وذكرها الزميل الأستاذ محمد داودية في لقاء مع فضائية «رؤيا» مساء الأحد .
اتصل المواطن مع المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات قائلاً أن شقيقه توفي في اربد ويريد تصريحاً له ولابنه لدفن شقيقه . تجاوبت إدارة الأزمات معه فوراً و أعطوه تصريحين له و لابنه . بعد قليل اتصل الرجل وقال لهم : ما عندي سيارة أروح اربد ادفن اخوي . فأعطوه رقم العميد مازن الفراية مدير إدارة الأزمات واخبره بوضعه .
تقول الحكاية : بعد ربع ساعة اتصل العميد الفراية ابن الكرك الأبية والجيش العربي بالرجل وقال له : هيني قدام بيتك، انزل أوصلك الى اربد تدفن أخوك الله يرحمه .
ذهل المواطن، ومثل قريبتي، لم يصدق ! وبالفعل استقل السيارة برفقة العميد الفراية الذي أوصله الى اربد وعاد الى عمان .
أذهلني أيضا مساء الأحد الزميل الأستاذ أمجد العضايلة الرجل الإعلامي النبيل عندما تأخر المؤتمر الصحفي اليومي الذي ينتظره كل الأردنيين مساء كل يوم حتى عندما ينام احدنا يقول لأهل البيت : صحوني عالمؤتمر الصحفي، أذهلني بشفافية الحكومة بالتعامل مع الأزمة منذ بدايتها حين قال :
اعذرونا على التأخير فقد تبين ان احد العاملين في مركز إدارة الأزمات – أي مطبخ الأزمة الذي يتواجد فيه والوزراء المسؤولون المعنيون – قد أصيب بفيروس كورونا مما استدعى إجراء فحص شامل لكل المتواجدين في المركز بمن فيهم أنا و وزير الصحة وتأخرنا لأننا كنا ننتظر نتيجة الفحص .
كلهم يعملون ليل نهار، يخاطرون بحياتهم، يبتعدون عن عائلاتهم، متجانسون متناغمون كأوتار عود يغني للأردنيين : نعمل من أجلكم ..هدفنا سلامتكم .
لذلك نحن نجونا أو نكاد .ولذلك أصبح الأردن أنموذجا عالمياً في كسب معركة الكورونا .
هل تذكرون عندما رفع الملك شعار: «ارفع رأسك ..أنت أردني» قبل خمس سنوات في أعقاب استشهاد الطيار معاذ الكساسبه؟
ها هو الأردني الصلب الطيب، العفيف الكريم، الشجاع، المؤمن بربه وبوطنه .يواجه بحنكة وحكمة العدو الداخلي «الكورونا» بمثل ما واجه العدو الخارجي وسينتصر.