آن الأوان لإنصاف الشعب الأردني، وآن الأوان للشعب الأردني أن ينصف نفسه بنفسه، فهذا الشعب يتحمل مسؤولية حماية دولته وأرضه، ويتحمل مسؤولية بناء مشروعه الوطني المكتمل فكراً وأهدافاً، وثقافة وهوية، حيث يستمد هويته وثقافته من تراثه العريق الممتد عبر التاريخ الطويل الذي يضرب جذوره في التاريخ البعيد ،ومن إطاره الحضاري العربي الإسلامي الكبير، مثل بقية الشعوب العربية الشقيقة.
الشعب الأردني يحتوي كل المكونات الفكرية المنتشرة في العالم العربي والإسلامي، من إسلاميين وشيوعيين وقوميين ووطنيين، وعلمانيين وليبراليين واشتراكيين، وفيه مسلمون ومسيحيون، وفيه اختلافات عديدة واتجاهات كثيرة، وقادر على إدارة الحراك الفكري والثقافي ضمن الإطار الوطني الواحد، وضمن إطار الدولة التي تعبّر عن أشواقهم وآمالهم في الحرية والديمقراطية والحياة الفضلى، وزاخر بالكفاءات والتخصصات القادرة على البناء والقادرة على العطاء، والقادرة على الإنجاز المتميز في كل مجالات التحضر والتقدم الإنساني.
الشعب الأردني مثل كل الشعوب العربية الشقيقة التي تلعن حدود سايكس بيكو، وتلعن الفرقة التي مزقت الأمة وأضعفتها، وفي الوقت نفسه هذا الشعب يتحمل مسؤولية حماية هذا التراب الذي يقيم عليه وحماية هذه الرقعة الجغرافية وحماية هذا الوطن وحماية هذه الدولة، وحماية الأجيال القادمة التي ينبغي عليها أن تتولى بنفسها بناء مشروعها الوطني وإدارته في الوقت الذي تمارس فيه استنكار الفرقة واستنكار الحدود الوهمية المفروضة واستنكار التبعية واستنكار الوصاية من أي طرف ومن أي جهة .
الانتماء العميق للأردن الذي يثمر ابداعاً وتطوراً، ويثمر إنتاجاً ونماءّ ويثمر نهوضاّ علمياّ في كل الاتجاهات وعلى جميع الأصعدة والمستويات، لا يتعارض مع الانتماء العربي الأصيل أو الانتماء الإسلامي الكبير، أو الانتماء العالمي الواسع، ولا يتعارض مع أي مشروع نضالي مقدس أو غير مقدس، كما أن خدمة الإنسان الأردني وتنميته وإعادة بنائه.
وحفظ حقه على وطنه في أن يكون مواطناً حراً كريماً قادراً على استثمار مقدراته وحماية ممتلكاته، هو جزء من مشروع الأمة الكبيردون تعارض أو تناقض جزئي أو كلي.
يجب أن تتوقف آلة الاتهام والطعن والتشويه التي تحاول النيل من كل من يريد الانخراط في المشروع الوطني بجدية، وكل من يريد الإسهام في بناء دولته الحديثة، وحفظ امنها واستقرارها ومستقبلها ويجب أن تتوقف معارك التشهير والاستخفاف، التي يجيدها أصحاب الشعارات الرنانة، والذين امتهنوا احتكار الحق والصواب والوطنية والنضال، لمدة تزيد عن نصف قرن من الزمان، ولم تحصد الشعوب خلال هذه المدّة إلّا السراب وصفير الرياح، والتيه والضياع والتخلف والانحطاط.
المشروع الوطني الأردني مشروع مقدس بكل معنى الكلمة، ليس مقتصراً على فئة أو طائفة أو عرقية محددة، بل كل من يؤمن بهذا المشروع، وكل من ينتمي لهذا التراب، وكل من يريد أن يبذل جهده في بنائه ونمائه وازدهاره، بغض النظر عن انتمائه الديني أو المذهبي أو الفكري أو السياسي أو العرقي أو المناطقي، على قاعدة المواطنة العادلة المبنية على الانتماء الوطني العميق الذي لا يقبل المساومة أو الجدل.
الشعب الأردني لا يحتاج إلى مزيد من الوعظ في مجال الانتماء القومي العروبي، ولا في مجال الانتماء لمنظومة القيم الإسلامية النبيلة، بل إن هذا الشعب يعطي دروساً عملية للآخرين من خلال الواقع والتاريخ، وهو متقدم على غيره في التضحية والفداء في دعم الأشقاء وفي الاستغراق في دعم القضايا العربية والإسلامية أكثر من قضاياه الوطنية، ومن هنا يجب التوقف عن المعزوفات المخروقة والممجوجة التي ملها الشعب الأردني وملتها الشعوب العربية وملتها الأجيال الجديدة.
نحن أمام تحدٍ كبير وعظيم، يتمثل في حفظ الدولة الأردنية في وسط هذا البحر العاصف والمتلاطم من التغييرات التي تجتاح المنطقة والإقليم، وهذا التحدي يحتاج إلى جهود كل الوطنيين الغيارى من أجل مسابقة الوقت في عملية البناء والانجاز والانتاج الحقيقي وينبغي وقف المعارك الوهمية ووقف الاستمرار في معارك الجدل البيزنطي الأجوف الذي يعيد انتاج مراحل التخلف وحصاد الهشيم، وينبغي الانخراط الجمعي في المشروع الوطني النهضوي الشامل بالقول والفعل، والفكر والتطبيق دون تلكؤ أو تباطؤ.