قبل أيام أطلق الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجَّاد تصريحاً نارياً قال فيه :»لن نهدأ حتى ترفرف أعلامنا على البيت الأبيض» وغير معروف ما إذا كان المقصود هو أن يقوم فيلق القدس ،بقيادة الجنرال قاسم سليماني، بعبور بحور الظلمات وأن يغزو الولايات المتحدة ويحتل واشنطن ويرفع الراية الإيرانية فوق المقر الرئاسي الأميركي.. أمْ أنه سيصل التقارب بعد إتفاقية النووي بين الولي الفقيه وبين «دولة الإستكبار العالمي» إلى سماح الأميركيين للإيرانيين أن يرفعوا بيارقهم فوق المكتب البيضاوي.. وفوق الـ»كابيتول هيل» أيضاً؟!.
مَنْ وخط الشيب رؤوسهم مثلي لابد من وأنهم يتذكرون أننا كنَّا نهتف في مظاهرات التأييد للثورة الجزائرية العظيمة فعلاً :»ديغول بلِّغ دولتك باريس مربط خيلنا» وحقيقة أنه كان علينا أن نتواضع ونطلب من الرئيس الفرنسي الأسبق ،الذي كان إتخذ موقفاً مميزاً تجاه العرب بعد حرب يونيو (حزيران) عام 1967، أن يكون مربط خيلنا «بلاط الشهداء» التي خسرناها وخسرنا باريس التي لم يكن بين حوافر خيلنا وبينها إلاَّ نحو سبعين كيلومتراً!!.
شر البيلة ما يضحك والواضح أن نجاد هذا الذي فيه من مواصفات «الأخ قائد الثورة» معمر القذافي.. هل تذكرونه..؟ الشيء الكثير قد أطلق هذا التصريح الذي لا شكك في أنَّ كل من سمعه ،حتى بما في ذلك السيد علي خامنئي، قد ضحك حتى استلقى على ظهره وهو يعتقد أنَّ مرقد السيدة زينب يقع في حديقة البيت الأبيض وأنَّ الشراذم الطائفية التي أُرسلت من إيران ومن العراق ومن كل حدبٍ وصوب أيضاً قد عبرت بحور الظلمات وأنها باتت في طريقها إلى واشنطن وأنه لم يعد أمامها إلاَّ أن ترفع أعلام الثورة الخمينية فوق البيت الأبيض كما تم رفعها فوق ضاحية بيروت الجنوبية.
نحن لا نريد من محمود أحمدي نجاد أن يتكبد وعثاء السفر براً وبحراً وجواً وأن يقطع الفيافي وأنْ يمر فوق مثلث «برمودا» ويخاطر بحياته العزيزة ليصل إلى واشنطن ويرفع الأعلام الإيرانية فوق البيت الأبيض.. إننا نريد منه أنْ يبر بوعده القديم وأنْ يوجه حراس الثورة الذين يتواجدون على الأراضي السورية ويشاركون في ذبح الشعب السوري نحو :»دولة العدو الصهيوني» ليرفع هذه الأعلام فوق القدس على أقل تقدير وذلك إذا كان لا يريد رفعها فوق حيفا ويافا.. وتل أبيب..»تل الربيع» حسب التسمية القذافية!!.
عندما زار الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات طهران بعد إنتصار الثورة الخمينية في فبراير (شباط) 1979 سألني أحد الشبان الإيرانيين المتحمسين أكثر من اللزوم ،وهو يراقب شاشة التلفزيون الإيراني بيْنما كانت تبث نشيداً للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، عن السبب الذي يمنع (أبو عمار) عن مطاردة شاه إيرن وإلقاء القبض عليه وإحضاره إلى طهران ليتم إعدامه كما تم إعدام الجنرال نصيري وعباس هويدا!!.
ضحكت وقلت :»العين بصيرة واليد قصيرة».. وبالطبع فإن هذا الشاب لم يفهم ما قلته ،مع أنه كان يتكلم اللغة العربية بطلاقة «سيباويه»، مما دفعه إلى إستجدائي والقول :»أرجوك..أنْ تبلغ (أبو عمار) أنْ يُحضِر الشاه» حتى لا يعيده الأميركيون كما أعادوه إلى الحكم بعد القضاء على ثورة مصدق.. هل تعرف مصدق؟!.. هززت رأسي.. وقلت تمتمة :يا حسرتي عليك وعلى (عرفات) وعلى الثورة الإيرانية.. وليسْقط شاه إيران ويذهب إلى الجحيم!!.
بعدما سمعت تصريحات نجاد التي قال فيها أنه لن يهدأ حتى ترفرف أعلامه على البيت الأبيض تذكرت قصيدة للشاعر العظيم محمود درويش رحمه الله التي يقول فيها :»يجب الذي يجب ... يدعو لأندلسٍ إن حوصرت حلب» فالأولى بالرئيس الإيراني السابق أن يكفَّ شر إيران عن الشعب العراقي والشعب السوري والشعب اليمني والشعب البحراني.. وأن يتذكر أن القدس أوْلى كثيراً برفع الأعلام فوقها من البيت الأبيض.