منذ بداية العام وإسرائيل بيمينها ويمين وسطها السياسي تروج وبكل عنفوان لخطة ضم المستوطنات ومنطقة الأغوار وشمال البحر الميت للدولة اليهودية الكبرى، وهى منطقة تعادل مساحتها ما يزيد عن نصف مساحة المنطقة (ج) والتى تعادل بدورها ما يزيد عن 60 % من مساحة الضفة الغربية.
ويجب الانتباه أن إسرائيل بترويجها لفكرة الضم لا تستهدف الفلسطينيين أو دول الاقليم العربية؛ لكنها تروج فكرتها للعالم وبالتحديد دول الاتحاد الأوروبى والمملكة المتحدة وروسيا والصين.
وقد يعتقد البعض أن الولايات المتحدة الأمريكية فى آخر سلم أولويات الترويج الاسرائيلية لتلك الخطة؛ لكن صناع القرار الاسرائيلى يدركون أن مهمتهم الأصعب ربما تكون فى قدرتهم على إقناع الأمريكيين وخاصة إدارة ترامب بخطة الضم الآن وفى هذا التوقيت بالتحديد؛ وذلك لأن خطة الضم التي تريدها إسرائيل لا تستند لخطة صفقة القرن بقدر ما تستند لرؤية صهيونية مضمونها استغلال تلك المبادرة الأمريكية لفرض أمر واقع دون دفع أى ثمن سياسي؛ وعملاً كهذا سوف يؤدى إلى عواقب سياسية وخيمة ليس على اسرائيل بقدر ما هو على إدارة ترامب لأنه سوف يؤدى إلى تعقيد الصراع الذى ما انفكت إدارة ترامب تدعى أنها ستقدم من خلال الصفقة حلا تاريخيا له؛ وبدلا من جمع أطراف الصراع حول حلا متفق عليه ها هى إسرائيل تفرض حلها الذى سوف يؤدى إلى نسف أى حل منطقي للصراع قائم على حل دولتين برؤية أمريكية كما ورد بصفقة القرن.
والأهم أن مصدر الحرج لإدارة ترامب فى هذا الصدد لن يكون نابعا من المجتمع الدولى فحسب بل من أولئك المنافسين الديمقراطيين ومن اللوبى اليهودى المعتدل فى الولايات المتحدة؛ والذى أصبح يحظى بشعبية أكثر لدى يهود الولايات المتحدة الأكثر إنسانية وأقل صهيونية ممثلا فى منظمات مثل الشارع اليهودى؛ والذى أصبح يرى فيهم اليمن المتطرف فى اسرائيل خطرا على مشاريعه الصهيونية كونهم من مؤيدى حل الدولتين ورافضين لسياسات الضم والاستيطان فى الضفة الغربية.
وعليه فإن حسابات إدارة ترامب قد تختلف تماما إذا ما قررت اسرائيل تنفيذ الضم من طرف واحد عبر فرض أمر واقع الأن على الأرض من خلال تنفيذ هذه الجزئية من صفقة القرن من طرف واحد، لذا من البديهى أن تكون إدارة ترامب معارضة بكل قوة لهذا الأسلوب المتعجل فى الضم؛ ونقول الأسلوب وليس فكرة الضم فى حد ذاتها خاصة مع الأزمة التى تمر بها الإدارة الأمريكية حاليا على خلفية تفشى فيروس كورونا والتداعيات السياسية والاقتصادية لسياسة الإدارة الأمريكية فى التعامل مع الوباء؛ وتداعياته التى أدت إلى خسائر اقتصادية وركود فى الاقتصاد الأمريكى والعالمى ينبأ بكساد قادم لا محالة فى ظل نسبة بطالة قياسية تُذكر بأزمة الكساد الكبير مطلع القرن الماضى.
باعتقادي كل تلك التداعيات هي من أجبرت وزير خارجية الولايات المتحدة أن يكسر حظر التنقل ويهبط فى إسرائيل بكمامة غطت وجهه بعلم الولايات المتحدة الأمريكية وحيرت المراقبين، لكنها فى الحقيقة تعبير صادق عن مدى تعقيد وضع الدبلوماسية الأمريكية فى عهد إدارة ترامب التى ستكون بدورها خلال أشهر معدودة فى اختبار صعب أمام الناخبين الأمريكيين.
وقد تتلخص مهمة بومبيو بالأساس بتأجيل عملية الضم عبر إقناع حكام إسرائيل من أقصى اليمين ويمين الوسط ؛ والتى أدت جهود الادارة الأمريكية فى جمعهم فى حكومة وحدة بعد مخاض عسير وأن يقنع أولئك المتطرفين ومن يعتقدون أنها فرصة لن تتكرر لإسرائيل من حيث الواقع والتوقيت بأن الادارة الأمريكية لديها الضمانات أن تبقى تلك الفرصة بنفس الحظوظ الحالية مستقبلا؛ ولكن الوقت ليس مناسبا أمريكيا لاغتنام هذه الفرصة التى تبدو فى نظر حكام اسرائيل فرصة تاريخية يصعب تكرارها.
ونجاح بومبيو فى تأجيل الضم لن يعنى أن الضم قد انتهى بقدر ما يعنى أن الولايات المتحدة الأمريكية وخلال الفترة الممتدة من يومنا هذا وحتى بداية سبتمبر ستتجند لتهيئة العالم الرافض اليوم لسياسة الضم الاسرائيلية للقبول بها ضمن خطة تنفيذ لها فى إطار أوسع يتضمن إعطاء الفلسطينيين جزرة اقتصادية أو سياسية من تلك التى تضمنتها بنود الصفقة أو فى أسوء الأحوال أن يلتزم العالم الصمت لتمريرها.
وسواء نجح بومبيو في مهمته وفى الغالب سينجح اوحتى فشل؛ فإن الفلسطينيين سوف يكونوا خلال الفترة القادمة فى أسوء أوضاعهم وتحت ضغوط سياسية واقتصادية، وسيكون من الصعب على أى فلسطيني الصمود في ظل هذا الانقسام والفرقة والتشتت ومعجزة فقط من تنقذنا من الآت.