قبل أقل من ثلاث سنوات من الآن كان حديث المتابعين والدول واهل السياسة في العالم عن حالة الصعود السريع للاسلام السياسي وبخاصة الاخوان المسلمين ، وكانت التوقعات بخارطة عربية يحتل فيها الاخوان مساحة هامة ، وكانت تونس ومصر في افريقيا أول الساحات ، مع ملاحظة الوزن الاقليمي والدولي لمصر ، وكانت ليبيا تحت الانظار حيث نفوذ الاخوان ، وكانت تركيا قاعدة دعم واسناد كبيرة فضلا عن الدعم والاستثمار القطري للحالة الاخوانية ، وكانت توقعات البعض بدور محوري للاخوان في سوريا بعد سقوط نظام بشار الاسد ، وكنا في الاردن ضمن هذه الخارطة ، واعتقد البعض أن الحل الاردني هو اعادة هيكلة النظام السياسي عبر تعديل دستوري وقانون انتخاب وفق مواصفات انتخابات تحمل الاخوان الى حكم فيه موقع الملك شكليا، والحكم لحكومة ينتجها برلمان بأغلبية اخوانية.
واضافة الى الخارطة الجديدة حكم حماس الذي يتكامل جغرافيا مع حكم الاخوان لمصر، والسودان تنظيم ونظام منهك لكنه مستعد لتقديم الخدمات.
وحتى خصوم الاخوان مارسوا استرضاء وصل احيانا الى حد النفاق ، فهم القادمون ، وهم حكام المنطقة ، وفي أكثر من بلد أصبح البعض يتعامل معهم باعتبارهم اصحاب النفوذ ، وربما ادار البعض نصف ظهره لما هو قائم.
وحتى الغرب في اوروبا وامريكا فانه بدأ يتعامل معهم لكن ضمن معادلة مصالحه واهمها اسرائيل ، حيث كانت الاجابة النظرية قبل الحكم ، ثم قدم حكم مرسي الدليل العملي خلال عام لم يتحدث به بعداء اسرائيل ، وارسل سفيرا ، وحافظ على المعاهدة والعلاقات كما كانت في عهد مبارك.
لكن الاجواء لم تكن مستقرة للاخوان حتى قبل سقوطهم في مصر ، فبشار الاسد صمد ، واصبح سقوطه ليس واردا في المدى القريب ، وكانت الامارات تقف موقفا صلبا من الاخوان على خلفية نشاط سري للاخوان في الامارات قبل سنوات.
لكن عاملا هاما صنع جهة قوية ضد الاخوان هو تحالفهم الاقليمي الذي صنع تدخلات في دول عديدة ، وكما كانت مصر قاعدة القوة لحكم الاخوان كان لا بد ان تكون منها بداية النهاية ، وكان الاداء السلبي في ادارة مصر مبررا قويا ، واتضح ان جسم الدولة المصرية القوي لم يتقبل حكم الاخوان وكانت احداث 30 حزيران الماضي ، وما تبعها من تحالف عربي في دعم المرحلة الجديدة ، لكن الجديد كان أكبر مما تعرضت له الجماعة حتى في عهد عبد الناصر ، فالامر لم يتوقف عند الحظر القانوني ، ولاول مرة يتم تصنيف الجماعة تنظيما ارهابيا في مصر ، وانسحب الامر على حماس ، ثم كان القرار السعودي الاماراتي باعتبار الجماعة تنظيما محظورا وارهابيا ، وحتى اوروبا فان بريطانيا بادرت لفتح ملف نشاطات الاخوان وقد يترتب على هذا خطوات نحو الجماعة.
وحتى الدول التي لم تعلن موقفا ضد الجماعة فان جزءا منها يقف متشددا بشكل عملي ، وبعضها غيرت قناعاتها وأصبحت أكثر حذرا نتيجة تجربة «سنوات الربيع»!
اما علاقة الجماعة مع بعض الدول (الحليفة) فانها محكومة بمصالح تلك الدول ، فتركيا يحكمها حزب اسلامي ، لكنها دولة تركية تتعامل مع القوى الحزبية العربية كأوراق لتعزيز النفوذ التركي، وبالتالي فان التحالف ليس بين انداد بل بين دولة وتنظيم.
الخارطة الاخوانية اليوم تحتاج الى قراءة جديدة ، وتحتاج الجماعة الى معادلة وطنية داخل كل دولة مازالت تفتح لها ابواب العمل ، لكن الجماعة في عام 2014 محظورة وارهابية في مصر ومعظم الخليج وسوريا ، ومصداقية خطابها ضعيفة في دول عديدة ، وساحات العمل تتقلص وغير آمنه حتى في دولة مثل تونس ، وما بين عام 2011 واليوم تبدلت الخرائط ومنها خارطة الاسلام السياسي ، الا اذا كان البعض ينتظر جديدا غير منظور!