احتفل الأردنيون الاثنين الواقع في 25/5/2020 بالذكرى 74 لاستقلال المملكة التي تشرق كل عام بذكريات المجد والعز والفخار, عيد استقلال الأردن صفحة مشرقة من تاريخ الأردن الحديث.. ومنعطف ارتقى بالأردن علو السماء رغم التحديات التي مرت على المنطقة جمعاء, لكن الأردنيين بولائهم لقيادتهم الهاشمية وانتمائهم لتراب الأردن الطهور كانوا على قدر أهل العزم وفاءً وإخلاصاً لوطنهم وسندا داعم لأشقائهم الفلسطينيين في مواجهة خطر تصفية القضية الفلسطينية وتهويد القدس وفلسطين.
فقد كانت البدايات منذ أن نهض الحسين بن علي وقاد مسيرة الثورة والتحرير، وتولى أنجاله قيادة جيشها، وهبَّ العربُ في كل مكان يؤازرون الثورة، ويدعمونها ويشاركون فيها لإنجاحها، وكان لأبناء الأردن دورهم المؤثر في هذه الثورة التي باركوها وشاركوا في مسيرتها على أمل الوصول إلى الاستقلال الذي يشكل حلم أحرار العرب، وما أن انقضت هذه المرحلة وانتهت الحرب العالمية الأولى، حتى بدأ يلوح في الأفق الكثير من المؤثرات, ونقضِّ العهود التي قطعتها بريطانيا وفرنسا للشريف الحسين بن علي للحصول على استقلال البلاد العربية، فلم تقف مؤامرات الاستعمار عند حدود (إصدار وعد بلفور) بل امتدت مطامع هذه الدول المستعمرة واتفقت كلمتها في عقد اتفاقية (سايكس بيكو) المتضمنة تقسيم البلاد العربية التي تم تحريرها من الانتداب الأجنبي عليها ثم محاولة إخراج الملك فيصل من أول مملكة عربية بعد قيام ثورة العرب نتيجة الهجوم الفرنسي عليها.
الأردنيون بذكرى استقلال الوطن يفتح سفرَّ المجدِّ ويقرأ فيه الخير, وُيقلب فيه صفحات أيام الوطن المشرفة , ويستذكر فيه حجم التضحيات والإنجازات, والمسيرة الهاشمية المباركة التي زرعت في قلوب الأردنيين البذور الصالحة في ظل الظروف المحيطة لتنبت عطاءً موصولاً وجهداً دؤوباً, حتى يبقى هذا الوطن دائماً وأبداً منيعاً في وجه التحديات, وجنةً وارفةً يتفيأ ظلالها كل الصالحين من أبناء الأمة.
لمجد هذا اليوم عنوان عظيم نقرأه ونعيشه, وعلينا تذكره دائما بكل اعتزاز, ألا وهو الحرية والإرادة والاستقلال لوطن أَبَّى إلا أن يكون حراً عربياً هاشمياً يفتخر بقيادته الهاشمية الفذة التي تقوده بعزيمة صادقة، ووعي أصيل راسخ, يربط حاضر هذه الأمة بماضيها, وليحمل الأحفاد رايات الأجداد, ليستمر الوطن بين حاضره ومستقبله على أسس صلبة من الإيمان والعلم والأصالة والمعاصرة.
في هذا اليوم المبارك ونحن ندرك أنَّ الاستقلال مشروع حياة، أراده الهاشميون منذ الملك عبد الله الأول طيب الله ثراه، مفعماً بالعطاءِ الموصول والنهوض الشامل والسيادة المطلقة على امتداد خارطة الوطن والأمة لا يشوبه أي منغصات أو ينتقص من اكتمال معانيه أيَّة معيقات, فهو مطلب أحرار الأمة الذين ثاروا ضد الظلم والقهر والاستعباد، ينشدون الحرية التي بذلوا لأجلها دماءهم وأرواحهم وأموالهم.
إن الأردنيين في مثل هذا اليوم يستذكرون عطاءَ أبناء هاشم الغرّ الميامين, الذين وهبوا حياتهم وأرواحهم فداءً لامتهم, وأسسوا وطناً وضعوه في ضمائرهم، وجهداً مخلصاً ووفاءً موصولاً حتى غدا الأردن دولة مؤسسات عصرية تنموية, يملكون أغلى ما في الوجود كما قال الحسين طيب الله ثراه : " الإنسان أغلى ما نملك ". يطل علينا الخامس والعشرون من أيار من كل عام, حاملاً معه تباشير الفرح والبهجة والسرور باستقلال المملكة الأردنية الهاشمية التي ارتبط اسمها بالهاشميين الأحرار, الذين قادوا البلاد على منهج من التقوى والهدى ساروا بها مدارج المجد والسمو والرفعة, فارتفع اسم الوطن سامياً عالياً, ورايته خفاقة يحملها البواسل الشجعان الذين قدموا أرواحهم رخيصة فداءً لترابه الغالي المخضّب بدمائهم الطاهرة الزكية.
هو الأردن أرض العزم والرباط, وموئل الأحرار وملجئ الباحثين عن الأمن والاستقرار، ومنارة التائهين ومطلب السائلين, وطن بحجم الكون أضاء الآفاق وأضحى بحمد الله بجهود الهاشميين واحة أمن وأمان, وسيبقى على الدوام بعون الله وبهمة نشامى القوات المسلحة قرة عين أبي الحسين, الحصن المنيع في وجه كل من تسول له نفسه المساس بذرة من ترابه الطهور, فالقوات المسلحة تحظى بمحبة جلالة القائد الأعلى, ولها معه قصة عشق لا حدود لها, فجلالته يهنأ بمجالسة رفاق السلاح وترتاح النفس ويهدأ البال معها.
إنَّ ما حققته القيادة الهاشمية على مرِّ السنين جعل الأردن في مصاف الدول الحديثة, وما تحقق من إنجازات وانفتاح على دول العالم الذي بناه فكر الهاشميين الذين طوروا الأردن في مختلف المجالات وبشكل خاص في تاريخ الأردن.
للاستقلال معانٍ ودروسٍ وعبرٍ تدعونا لبذل المزيد من الجهد والعطاء والوفاء والعهد، وتجديد البيعة والحفاظ على معناها ومبتغاها, ليبقى الوطن أنموذجاً يحتذى, وسيبقى بعون الله الأردن الأعزّ والأغلى, يسير بمجده العالي إلى الأعلى, يعبق بعطر التاريخ مكللاً بمجّد وفخار, هويته وقيادته وتماسك جبهته ووحدة شعبه.
ويأتي هذا العيد متزامناً مع احتفالات المملكة بالثورة العربية الكبرى, حيث المسيرة متواصلة بالبناء والعطاء والإصرار على الإنجاز من أبناء الوطن, مقدمين فيه الأردن أنموذجا الدولة الحضارية التي تأخذ قوتها من تكاتف وتلاحم وتعاضد شعبها, بالإضافة لما حملته الثورة العربية الكبرى من ثوابت وطنية ومبادئ وقيم, يلتف حولها جميع الأردنيين.
فكان الاستقلال رسالة خالدة على مدى تاريخ الأردن المجيد، الذي بشرَّ بمبادئه السامية على ثرى فلسطين الطهور وربى الجولان, وفي شتى ربوع العالم, رسالة للمحبة والسلام, ترجمة للمسيرة المباركة التي تكسرت فيها قيود الاستعمار, وتعالت فيها صروح العلم والحضارة، وتجسدت فيها معاني الحرية وانعتاق الفكر نحو آفاق رحبة في أرجاء المجتمع الإنساني الدولي, يحلق في فضاءاته وميادينه الرحبة, ينافسه ويتعاون معه متسلحاً بكل قيم الإنسانية والعدل والتسامح والصبر.
تشكل هذه المناسبة فسيفساءً اجتماعية متماسكة في الأبعاد وموحدة في الأعماق,تعيد لنا ذكريات تاريخ تُوشّح بالعز والرجولة, ليبقى خالداً على صفحات الذاكرة على مرّ الزمان والمكان، ولأن الاستقلال عهد ووفاء وتجديد بيعة نصوغ فيه من كلّ مفردات مسيرة الكفاح والعطاء منذ أول قطرة دم أريقت في سبيل حرية الأمة, أنشودة نغفو ونصحو على أنغامها، تنتظم بها صفوفنا خلفّ قيادتنا الهاشمية الحكيمة وجلالة قائدنا الأعلى الملك عبد الله الثاني سليل الدوحة الهاشمية الذي يقود هذا الحمى العربي الأصيل نحو معارج الخير والأمل, ونحو مستقبلّ تنشده الأجيال ويرسم لها طريق الرفعة والشموخ والكبرياء.
من هذا المنطلق يحتفل الأردنيون بكلِّ معاني الاستقلال، فكان الشعب والجيش والإنسان الأردني في أي موقعَ هو الغاية والوسيلة والطاقة الفاعلة المتجددة التي تشيع النهضة والنماء في ربوع هذا الحمى العربي الأصيل، وظلت رسالة الثورة العربية الكبرى رسالة الاستقلال والحرية والانعتاق من كلِّ القيودِ التي تقف حائلاً دون طموح الإنسان هي الرسالة التي تهدي السالكين على الدربِّ الطويل, ولا تنفك مبادئها تبشر العرب بالوحدة والحرية والسيادة وكرامة الأجيال.
وقد نذر الهاشميون أنفسهم لمجد الأمة العربية ولمجد الأردن، فكانوا رمزاً للاستقلال وعنواناً للعزة والسيادة, وبقي الجيش العربي قرة عين قادته وسياجاً منيعاً يحمي الاستقلال ويصونه ويحافظ عليه, ليتحول إلى عطاء لا ينضبُّ وإنجاز وبناء يغمر أرجاء الوطن وتباشير فرح يحملها الأردنيون أمانة في أعناقهم ويصوغون من معاني الاستقلال عهداً وولاءً ليبقى الأردن حراً قوياً, وشعلة من العلم والمعرفة والحضارة التي وشّحت ربوعه وهضابه بسيَر الأنبياء والصحابة, وتكللت بمعارك الدفاع عن كرامة هذه الأمة ومجدها, وكان الشعب بكل فئاته ظهير الجيش, فكانوا محورّ التغيير وأداة التطور والنماء.
إن الممعنّ لمسيرة الاستقلال يرى حجم الكفاح المشرف, والإنجاز العظيم الذي قدمه الهاشميون الأطهار, فمنذّ عهد جلالة الملك المؤسس عبد الله الأول ابن الحسين طيب الله ثراه, لقد حقق الاستقلال وأقام دولة القانون والمؤسسات في ظل ظروف إقليمية وعالمية صعبة, فاستطاع جلالته بعد سلسلة من المفاوضات من إنهاء الانتداب البريطاني , وتحقيق الاستقلال الكامل غير المنقوص للدولة الأردنية.
وبعد تسلم الملك الحسين بن طلال - طيب الله ثراه - سدّة الحكم خلفا لوالده, أعلن إعفاء كلوب باشا من منصبه في قيادة الجيش الأردني, وتعريب قيادة الجيش وتسليم قيادته للضباط الأردنيين, بذلك يكون قد أكدّ سيادة الأردن الكاملة على الأرض دولة مستقلة استقلالاً تاماً.
وفي عهد جلالة الملك عبد الله الثاني المعظم حفظه الله ورعاه, أصبح الأردن أنموذجاً من العمل الجادّ نحو حلّ الكثير من القضايا التي تواجه الأمتين العربية والإسلامية, بالإضافة إلى عمل جلالته الدؤوب لتطوير الحياة السياسة والاقتصادية والتنموية للمواطنين, وكذلك تطوير المؤسسة العسكرية والأمنية لمستوى عالٍ من المهنية والاحتراف المتميز على مستوى الإقليم والعالم.
يبقى هذا اليوم في ذاكرة الأردنيين خالداً ومحفوراً بتاريخ الوطن, وعنواناً للحرية والمجدّ والفخار, يستذكرون فيه أبائهم وأجدادهم في مسيرتهم البطولية ويستمدون من هذه المسيرة العزيمة والإصرار الكبيرين.
إن الاهتمام بالقوات المسلحة وتأهيلها وتدريبها وتوفير سبل تعزيز قدراتها أولى أولويات قادة هذا البلد, وبتوجيه من جلالته, يتطلع هذا الجيش مع كل مؤسسات الوطن لأن يصبح الأردن دولة الإنتاج والاعتماد على الذات, وليتمكن هذا الجيش من ممارسة دوره وإنتاج احتياجاته هنا في هذا الوطن العزيز.
وتسعى القيادة العامة في ظلِّ توجيهات جلالة القائد الأعلى إلى تطوير القوات المسلحة إلى قوة عصرية ديناميكية قادرة على التعامل مع مختلف الظروف والتحديات, والتخطيط لمستقبلها بكل ثقة وقدرة وكفاءة, بما يتفق مع تطلعات القيادة الهاشمية, وبما يحقق تميزّ واحتراف هذا الجيش الذي يملك أفضل أنواع الأسلحة والمعدات, ويتمتع بكفاءة قتالية عالية, وهو دائماً يسعى للأفضل, ويتطلع ليجعل من الاستقلال مسيرة للخير والبناء والعطاء الذي لا ينضب, وقد أنجزّ مع مطلع هذا العام العديد من الفعاليات التي تساهم في تطوير وتعزيز قدراته وتميزه وأدائه, وسبق ذلك الاحتفال الكبير بالذكرى الواحد والخمسين لمعركة الكرامة الخالدة التي سطر فيها نشامى الجيش العربي أروعّ صور البطولة والتضحية.
فهنيئاً للأردن عيد استقلاله, وهنيئاً للأسرة الأردنية هذا اليوم الخالد, بفضل قيادته الحكيمة بقي كما كان واحة للأمن والأمان والديمقراطية والاستقرار والذي يتفيأ ظلالها أبناء الأسرة الأردنية الكبيرة, حفظ الله قائد الوطن جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله ورعاه وولي عهده الأمين, والأسرة الهاشمية, وحفظ الله قواتنا المسلحة الأردنية سياج الوطن ودرعه الحصين.
هذا الحمى الذي واجه الصعاب وانتصر على التحدي بالعزم والتصميم بشعبه الوفي ,يجدد العهدَّ بأن تبقى السيوف مشرعة,والقلوب مؤمنة والجباه عالية لا تنحني إلا لله, لتعانق ثرى الوطن وتحفظه بالمهج والأرواح.