تأتي ذكرى حرب حزيران 1967 هذا العام، وسط ظروف وتطورات متسارعة وغير مسبوقة شهدها ملف القضية الفلسطينية مؤخرا، تمثلت بالقرارات والإجراءات الصادمة التي اتخذها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، عندما اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها، وبضم الجولان وغور الأردن والمستوطنات الى السيادة الإسرائيلية، وقطع المساعدات المالية عن الفلسطينيين، وإيقاف المساهمة الأميركية المالية للاونروا ومحاولة إسقاط ملف اللاجئين وحق العودة وغيرها من القرارات الجائرة في انتهاك واضح وصريح للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية، التي تعتبر مسألة القدس من قضايا الوضع النهائي التي لا يحسم أمرها الا بالتفاوض، وان الأراضي العربية المحتلة عام 1967 بما فيها القدس أراض محتلة، ولا سيادة لاسرائيل عليها. ترافق ذلك مع تراجع هذا الملف على أجندات دول المنطقة تحديدا بسبب المشاكل والخلافات الداخلية والبينية والإقليمية، بحيث لم يبق الا الصوت الأردني ممثلا بالدبلوماسية الأردنية التي يقودها جلالة الملك، التي مكنت الأردن من فتح العديد من قنوات التواصل والاتصال بفواعل النظام الدولي انتصارا للجانب الفلسطيني وتأكيدا على حقوقه المشروعة، وهو يضع هذه الأطراف المؤثرة امام مسؤولياتها القانونية والأخلاقية والسياسية والتاريخية بضرورة النهوض بدورها بتفعيل المرجعيات الدولية في هذا المجال، مما يعكس جهود جلالته المكثفة والدؤوبة التي أسهمت في بلورة حراك سياسي دولي رفض وبالإجماع القرارات الأميركية المخالفة لهذه المرجعيات، وكما عكسته البيانات والقرارات الصادرة عن اللقاءات والاجتماعات العربية والإسلامية والإقليمية والدولية المختلفة، وذلك تماهيا مع دور جلالة الملك المحوري في التعاطي مع كل ما من شأنه نصرة القضية الفلسطينية وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم. الى جانب دور الدبلوماسية الأردنية ونجاحها في استحضار الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس وتضمينها البيانات الختامية الصادرة عن هذه الفعاليات.
ترافق ذلك مع اقامة المسيرات الشعبية التعبيرية والتضامنية التي شهدتها مختلف محافظات المملكة ومناطقها دعما وتأييدا ومساندة والتفافا حول القيادة الهاشمية في هذه المرحلة الدقيقة والحرجة في اشارة الى الترابط والتلاحم القوي ما بين القيادة والشعب حول الملف الوطني والقومي والعروبي ممثلا بملف القضية الفلسطينية، وهي الاجواء التعبيرية التي امكن من خلالها إرسال الإشارات والرسائل الاردنية التضامنية مع هذا الملف الحيوي والاستراتيجي الى كل من يهمه الامر في الإدارة الاميركية على وجه الخصوص بان لا تنازل أردني عن هذا الموقف الوطني والقومي والتاريخي المشرف تحت اي ظرف ومهما بلغت الضغوطات. وما اللاءات الثلاثة التي أطلقها جلالة الملك.. لا لتصفية موضوع القدس باعتبارها خطا احمر، ولا للتوطين ولا للوطن البديل، الا الرد الملكي البليغ على كل المحاولات الرامية الى تجاوز حقوق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته وتقرير مصيره. وكذلك الحال في القرارات التي اتخذتها منظمة اليونسكو التي نفت وجود اي علاقة لليهود بالمسجد الأقصى وحائط البراق، وإدانة اعمال الحفر بمدينة القدس المحتلة، وعدم شرعية الإجراءات او أي تغيير أحدثته اسرائيل كقوة قائمة على الاحتلال في بلدة القدس القديمة ومحيطها بعد احتلال القدس 1967، واعتبارها باطلة ومنعدمة الأثر القانوني وفقا للقانون الدولي، وتثبيت تسمية المسجد الأقصى / الحرم القدسي الشريف كمترادفين لمعنى واحد، حيث انتزع الأردن اعترافا دوليا من قبل مجلس الأمن باستخدام هذا المسمى، وافشل بذلك المساعي الاسرائيلية بإطلاق مسمى جبل الهيكل، حيث ذكر جلالة الملك في تصريحاته بان المسجد الأقصى كامل الحرم القدسي الشريف لا يقبل الشراكة او التقسيم. إضافة الى نجاح الأردن في تأكيد ان تلة باب المغاربة هي جزء لا يتجزأ من الأقصى , وتسجيله مدينة القدس ضمن مواقع التراث العالمي المهددة بالخطر منذ عام 1981، ودوره في اعادة فتح المسجد امام المصلين في اكثر من مناسبة، ووضعه المجتمع الدولي بصورة الحقائق والأدلة الدامغة التي تعري الادعاءات الاسرائيلية في المدينة المقدسة وكشف زيفها.
في تأكيد على تحمل الأردن لمسؤولياته والتزاماته الدينية والقومية والتاريخية تجاه القضية الفلسطينية، بصورة أبقت الزخم السياسي الدولي لها ووضعتها في دائرة أولويات واهتمامات المنظومة الدولية ودوائر صنع القرار الدولي، تأكيدا على المواقف والمبادئ والثوابت الأردنية تجاهها لتمتعها بالأولوية على الأجندات الملكية كقضية أردنية وطنية وإستراتيجية. في تأكيد على تعامل الأردن مع هذا الملف ضمن أقصى طاقاته وإمكاناته والأدوات والأوراق التي يمتلكها، ممثلة بالخطوات والوسائل القانونية والسياسية والدبلوماسية، التي أمكن له من خلالها إحداث وتحقيق انتصارات معنوية توجت في حصوله على الدعم والحشد الدولي، تفعيلا لقرارات الشرعية الدولية الداعمة والمساندة للجانب الفلسطيني.
وفي اشارة أيضا الى حرص جلالة الملك على وضع المجتمع الدولي امام مسؤولياته في التعاطي مع القضية الفلسطينية بشكل عام والقدس بشكل خاص، انطلاقا من الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة الاسلامية والمسيحية، والدور الأردني الديني والتاريخي في القدس الشريف، للحفاظ على الوضع القائم، والحيلولة دون تهويدها وتغيير هويتها وطابعها ومعالمها العربية والاسلامية والتاريخية. فقد اوضح جلالته بان عمره لن يغير موقفه بالنسبة للقدس، باعتبارها خطا احمر ، مؤكدا على وجود ضغوط اقتصادية على الاردن، نتيجة لمواقفه السياسية خاصة من القدس ، وان احدا لا يستطيع ان يضغط على الاردن في موضوع المدينة المقدسة، وان الجواب سيكون كلا... متسائلا جلالته.. الى متى ستظل القدس تواجه مخاطر تهدد هويتها وتراثها، مشيرا الى التداعيات السلبية على مستوى العالم، التي ستترتب على تهديد حرية العبادة وتقويض القانون الدولي. اضافة الى الجهود الملكية ودورها في اعتبار الأوقاف الإسلامية الأردنية في القدس السلطة القانونية الحصرية والوحيدة على المسجد الاقصى / الحرم القدسي الشريف، وفي حشد الدعم المالي والسياسي الدولي للاونروا لضمان الحفاظ على دورها في الحفاظ على حق اللاجئين في العيش الكريم والتعليم والخدمات الصحية في ظل ما تتعرض له هذه الوكالة الدولية من ضغوطات من اجل تصفية ملف اللاجئين الفلسطينيين، وشطبه من قائمة قضايا الوضع النهائي التي سيحسم أمرها بالتفاوض.
لقد حذر الأردن من التبعات الخطيرة لأي إجراءات أحادية إسرائيلية تستهدف فرض حقائق جديدة على الأرض، مثل ضم الأراضي وتوسعة المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وانتهاك المقدسات في القدس. وان المبادئ والمواقف الثابتة للمملكة الأردنية الهاشمية ازاء القضية الفلسطينية والمصالح الوطنية الأردنية العليا هي التي تحكم تعامل الحكومة مع كل المبادرات والطروحات المستهدفة حلها، فالقضية الفلسطينية كانت وستبقى القضية العربية المركزية الأولى، وان السلام العادل والدائم الذي يلبي جميع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق هو خيار استراتيجي أردني فلسطيني عربي، والاردن سيستمر في العمل مع الأشقاء والأصدقاء في المجتمع الدولي على تحقيقه على الأسس التي تضمن عدالته وديمومته وقبول الشعوب به. فقد بعث جلالة الملك برسائل واضحة وعميقة في مقابلته مؤخرا مع مجلة دير شبيغل الالمانية عكست الموقف الاردني الحازم من القضية الفلسطينية، عندما اكد على ان حلّ الدولتين هو السبيل الوحيد الذي سيمكننا من المضي قدما، والا سنشهد مزيدا من الفوضى والتطرف في المنطقة ، واذا ضمت اسرائيل أجزاء من الضفة الغربية، فان ذلك سيؤدي الى صدام كبير مع الاردن، واننا ندرس جميع الخيارات. ونحن نتفق مع بلدان كثيرة في أوروبا والمجتمع الدولي على أن قانون القوة لا يجب أن يطبّق في الشرق الأوسط. الامر الذي حظي باهتمام الادارة الاميركية التي عبرت عن تفهمها للقلق الاردني وضرورة جلوس كافة الأطراف على طاولة المفاوضات.
ان الأردن يدعم كل جهد حقيقي يستهدف تحقيق السلام العادل والشامل الذي تقبله الشعوب، مؤكدا ضرورة اطلاق مفاوضات جادة ومباشرة تعالج جميع قضايا الوضع النهائي، في اطار حل شامل هو ضرورة لاستقرار المنطقة وأمنها، وفق المرجعيات المعتمدة ومبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية.
فالأردن يريد سلاما حقيقيا عادلا دائما شاملا على أساس حل الدولتين ينهي الاحتلال الذي بدأ في العام 1967 ويحفظ حقوق الشعب الفلسطيني، ويضمن أمن جميع الأطراف، ويحمي مصالح الأردن، بما فيها تلك المرتبطة بقضايا الوضع النهائي. تماهيا مع موقفه الثابت من القضية الفلسطينية والقدس، المستند الى قرارات الشرعية الدولية، بضرورة اقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967
وعاصمتها القدس الشرقية، وفقا لحل الدولتين واستنادا الى المرجعيات الدولية ومبادرة السلام العربية.
وعن الموقف من الكنفدرالية، فقد اعتبرها جلالة الملك خطا احمر بالنسبة الى الأردن.. متسائلا .. كنفدرالية مع مين ؟. خاصة وان الكنفدرالية لا يمكن لها ان تتم الا بين دول مستقلة وذات سيادة. الامر الذي لا يتوفر في الحالة الفلسطينية، التي يراد التعامل معها على حساب امن الاردن وهويته ومصالحه عبر محاولة تكريس صيغة الخيار الأردني او التوطين او الوطن البديل، وحل القضية الفلسطينية على حسابه أيضا.
كل ذلك انما يؤكد على ان التعاطي الأردني مع ملف الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي يستند الى الرهان على القرارات والمرجعيات الدولية والمطالبة بتفعيلها وتطبيقها، بوصفها ادوات وأسلحة شرعية داعمة ومساندة لحقوق الشعب الفلسطيني . الامر الذي طالما نجح جلالة الملك بالقيام به في ظل ما يتحلى به من مكانة وحضور وتأثير في المنظومة الدولية، موظفا هذا الحضور الفاعل والمؤثر في نصرة القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني. وما خطاب جلالته في البرلمان الأوروبي وإشارته الى موقف دول أوروبا الرافض لقانون القوة في المنطقة في لقائه مؤخرا مع مجلة دير شبيغل ، الا مثالا على رهان جلالته على إحدى هذه الأدوات والمرجعيات الدولية الفاعلة، وأهمية دورها وانخراطها في قضايا المنطقة نصرة الجانب الفلسطيني.