رحيل كورونا.ومن بعد، يبدو ان الحياة قد عادت الى طبيعتها في عمان وبقية المدن. الشوارع المهجورة ايام كورونا تزدحم بالسيارات، وتختنق مسارب السير، وكأن الناس يمارسون انتقاما شديدا من تبعات حظر وعزلة امتدت لثلاثة شهور.
وآخر ما يشغل بال الناس المنتشرين في الشوارع والاماكن العامة، و المتنقلين بمرح وفرح بين ارجاء الوطن الغالي هم كورونا اللئيم. وكما يبدو، ولست خبيرا نفسيا، ولكن كورونا تختفي بزوال اسباب القلق والضغط والتوتر النفسي.
المحال التجارية بكل قطاعاتها فتحت ابوابها لمن حاصرهم الجوع خوفا من كورونا، والمطاعم رفعت الغطاء عن صالاتها. ودبت الحياة في شريان المدينة، وزحف الناس الى الشوارع ليحرروها من اوهام الوباء بعدما ثبت ان تفشيه في الاردن مستحيل وصعب لان الفايروس لا يأتي الا من خارج البلاد.
وصور للحياة تبعث على الامل والثقة، والاطمئنان. فما اجملها، واطيبها على القلوب، وان كانت النفوس مجهدة ومتعبة من ثقالة كورونا وقسوتها على عيش الاردنيين.
رائحة عمان عادت تفوح من حاراتها وازقتها وشوارعها. في شارع المدينة المنورة رائحة مشاوي اللحوم البلدية تفوح من «اصول الضيافة»، وتجلبك الى المطعم من حيث لا تحتسب.
اخرج الناس قليلا من روعهم، وصاروا ينتقلون من مكان الى آخر. وسط البلد امس كان عامرا بالزوار.الناس تجول وتجوب وسط البلد، تشتري قهوة، ومكسرات، وتأكل سندويشة فلافل ومقالي، وتشرب كأس برتقال وقصب سكر يسد رمق العطشى في صيف حارق.
على مدخل «الكت كات «، مازال عبدالله الشامي واقفا يرحب بالزبائن ورواد المطعم ووسط البلد. ولكن الشامي في هذه الاحوال الجديدة يبدو مظهره ولسانه صامتا بالاختلاف، فهو يلبس كمامة، ويرحب بالعربية الاردنية والمصرية، لانه لا يوجد سواح اجانب بين مرتادي وسط المدينة.
ويقول : إن الحياة ستعود، ولابد ان تعود. الأمل والثقة هما قاتلا وعدوا كورونا اللدودان. ولا شفاء من كورونا الا بالحب وعشق الحياة والفرح، فهم يذهبون اوجاع الاجساد والارواح. فما اسعدنا بجلسة هادئة في» الكت كات «، نسمع لام كلثوم وفريد الاطرش، وعبدالحليم حافظ،وملحم بركات،وورده.
في وسط البلد مازال ابو علي باسطا الصحف والمجلات والكتب. والجرائد والمجلات العربية والاجنبية من اصدارات من قبل كورونا. ولا اعرف لماذا يصر على عرضها ؟
وقفت قريبا من «كشك ابو علي «، ولا واحد من المارة جذب انتباهه كتاب او صحيفة. يبتعدون عن الكشك، ويقتربون من محل حلويات يبيع كنافة ساخنة، ومطعم مجاور « اسمه غريب « يبيع شاورما بالدجاج واللحمة.
همس لي صديق بان الناس بعد كورونا لم يعودوا يقرأون. ورغم ما يقول ويقولون، فاني مازلت من المستلذين والمدنيين والمستمتعين في قراءة الورق، واستعير كتبي من بسطة كتب هامشية ومنسية في شارع الامير محمد.
وانا اقلب موبايلي، وصفحات الفيسبوك نشرت ليالي النشاشيبي مسؤولة في شركة «فنادق موفنبيك « فيديو لعودة الحياة، وتدفقها في روح العقبة وفنادقها. ولصور البحر، والشمس، والرياح الحفيفة.
هكذا تعود الحياة. وتستعيد الاماكن الجميلة روحها. لربما ان كورونا هبطت علينا من السماء لتقول لنا اتعظوا وعوا، واستيقظوا لمصالحكم، ولتفوتوا فرص النجاح والتقدم والتطور، ولتقول ايضا : كم هناك فرصة وطنية للانقضاض على الفاسد والشاذ والعابث والحارق للاوطان.