لا أعتقد أن هناك بلدا في العالم استقبل واستوعب اللاجئين المقيمين والماريّن عبره كما فعل الأردن ، وكل ذلك يحصل بشكل دراماتيكي مفاجىء عند حصول أي أزمة أو مصيبة سياسية أو عسكرية كبرى في هذا المحيط العربي المتزلزل وتخلف الفكر السياسي العربي ، فما أن تشتعل الأحداث في دول الجوار حتى يبدأ سيل البشر ينساب عبر الطريق نحو الحدود الأردنية ليتخلل وسط عواطفنا الجياشة ، فنفرش له الطريق بعباءات الشهامة الأردنية ويبدأ هرمون الكرم الوطني يفرز بأقصى طاقته ، حتى يبدأ التعب يتضح في ملامحنا ، فنتذكر أننا لا نملك إلا البسيط الذي يكفينا ، وحينها تتحول شهامتنا وكرمنا الى أزمة تعاني منها الحكومات قبل الشعب. في أواخر عام 1990 لم نتخيل ذلك الكم الهائل من البشر والجنسيات تتدفق علينا عبر الحدود الأردنية العراقية ، كان الناس من مختلف الجنسيات والألوان يدخلون بالآلاف عبر الطريبيل نحو الرويشد بعد احتلال الجيش العراقي للكويت ، لم ينتظر أولئك المقيمين على أرض الكويت سوى أيام قليلة حتى فرّوا عبر العراق نحو الأردن ، ومع ازدياد الأزمة وإعلان التحشيد العسكري كان العالم منشغل بتصريحات « شوارسكوف» وأخباربغداد والكويت والرياض ، فيما الأردن يرزح تحت وطأة مئات الآلاف من العمال الأسيويين والجنسيات الأخرى الذين افترشوا ساحات العاصمة عمان ومحيطها وساحات المطار الدولي بانتظار ترحيلهم ، ولم يهتم أحد لتلك المعاناة والأزمة الأردنية إلا بالقليل فاضطر الأردن لإقامة مخيم ضخم في منطقة الرويشد. اليوم وبعد سنتين صحيحتين من تاريخ إقامة مخيمات للاجئين من أشقائنا السوريين على أراضينا نرى أن عدد اللاجئين والمقيمين السوريين في الأردن بات يناهز مليون ونصف إنسان ، وإذ نسمع اليوم شكوى الأخوة اللبنانيين من أن اللاجئين السوريين باتوا يشكلون ثلث سكان لبنان ، فلأهل الرياضيات والمعادلات الحسابية أن يحسبوا كم يشكل الرقم مليون ونصف مقابل عدد المواطنين الأردنيين ، الربع تقريبا ، فيما القاطنون على أرضنا من مختلف الجنسيات والوظائف يدعمون الرقم الإجمالي للسكان للإقتراب من عشرة ملايين إنسان يحتاجون على الأقل الى ثلاثين مليون رغيف خبز يوميا. لا بأس نحن سنبقى أهل الشهامة والصدر الرحب ، وكل الأخوة العرب هم أهلنا ونحن لهم ، ولكن في علم السياسة تتقدم المصالح على العواطف ، وبما أننا لا نتعامل بالمصالح مع القضايا الإنسانية ، فلنقرأ ما يجري على طريقة قارئة الفنجان ، فمتى ستنتهي الحرب الطاحنة في سوريا التي تحولت من معارضة ونظام الى ساحات جهاد طائفية وتصفيات سياسية وإعدام ، فانهارت المنظومة الإقتصادية السورية التي كانت تشكل سوقا رافدا للسوق الأردني بالمنتجات معقولة الأسعار ، وحتى اليوم لم يظهرأي نجم في ليل الأزمة الحالك قد يبشر بفجر جديد لسوريا ينتهي فيها هذا الصراع ، فيما اللاجئين لا زالوا يتدفقون عبر الحدود غير الرسمية ، وينتشرون في كل مكان غير المخيمات التي رأينا سلبياتها وبعض أخطارها. يسأل سائل عن الشهامة التي يتحلى بها النظام السوري المقاتل أو المعارضة المتقاتلة وسط الخنادق ، مقابل الإئتلاف المعارض الذي يقود المفاوضات خارج سوريا وسط الفنادق ، ثم يخرج الطرفان عبر المؤتمرات واللقاءات الصحفية ليتبادلا الإتهامات وهم في كامل قيافتهم ، فيما اللاجئون على الأرض الأردنية يزدادون عددا ويزيدوننا قلقا، في ظل نقص حاد في الموارد المائية والغذائية والطاقة يعاني منها الأردن أصلا ، ولا تزال المخيمات تفتتح أو تتوسع ، وليس هناك من شرط يثبت أن الدول التي تقدم منحها ومساعداتها لتلك المخيمات ستبقى تدعمها حتى النهاية ، فماذا سيجري إن توقفت المساعدات التي تجري عبر قنوات ليس لها سند قانوني ؟! المعلومة المفاجأة التي أدهشتني كانت من أحد العاملين مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وهي أنه بناء على اعتبار الأزمة الإنسانية في سوريا نتيجة حرب ،فإن أي مواطن سوري على أراضي أي دولة يعتبر لاجئا حتى لو كان مستثمرا ولا يحق للدولة ترحيله ، من هنا أسأل: الى متى ستبقى الشهامة السياسية تطعمنا وتؤمن إحتياجاتنا من الماء والطاقة والأمن وحدودنا مفتوحة ، أم إن السماء تمطر ذهبا ؟!