كنا ايام الخطر المصيري اواخر الخمسينات والستينات والسبعينات, نناقش قضية «الوطن – الاردن» من اوسع منظور ممكن.. دون الدخول في التفصيلات:
- ماذا يحدث لو ان...؟
- كيف سيتصرف الخصم لو ان...؟
- اين هي عناصر القوة في النظام وعناصر الضعف؟!
- اية قوة معادية اقرب الى احشاء الوطن, وقد كان محاطاً بقوى مختلفة؟!
بدأنا اكثر اقتناعاً, رغم اننا كنا قوميين – بأن الاردن هو اردنان:
-الاردن الحقيقي القائم بكل ما فيه من قوة وضعف.
- والاردن الذي نريده, ونحلم بصورته الزاهية, ومستقبله المشرق!!
لم نكن نؤمن بالاعاجيب!!
لم نكن نؤمن ان الوحدة هي الحل. كنا نريد بناء الاردن من داخله. وكنا نريد تقديمه للوحدة قوياً عزيزاً.. لا يكون عبئاً عليها ضعيفاً ممزقاً!!
حين كنا نرقب النموذج الناصري للوحدة, كنا نشعر بالرعب, لا لأنه قوي ويمكن أن يلفنا بتياره الشعبي الغلاب.. وانما لانه قابل للكسر.. ولانه تجربة ستنتهي بالانفصال, وبعدها لن يكون أي بلد قابلاً للعودة الى تجربة الوحدة القائمة على قوى الامن والقمع!! وهكذا كان. فالانفصال بقي بصيغته لأشهر تم بعدها الانقلاب عليه, ودخلت دمشق وبغداد والقاهرة الى حوار هدفه عودة الوحدة عام 1963, لكن الحوار انقطع لأن الثقة بين الاطراف كانت مفقودة الى الحد الذي اعتبر فيه حتى محازبو البعث في سوريا والعراق وحدة البلدين.. خيانة وانفصالا!!
كنا وقتها مصنفين: رجعيين وعملاء!!
ولم نكن نهتم لأننا نعرف واقع بلدنا (الاردن الحقيقي) ونعرف بالمقابل مدى الحلم الوطني وآفاقه. وكنا نبني كالنمل: خطوات محدودة, وصبر, وفتح الطريق والمخزن لادامة الحياة وتطويرها!!
كان الكلام عن حرق المراحل, وعن المشروعات الكبرى, وعن الوطن الكبير.. في اذهاننا مجرد وعد ودعاية. وليس الحلم القابل للتحقيق لانه حلم يقوم على استغلال الشعب في الشارع، وفي المؤامرة العسكرية، وفي متفجرات القتل والترهيب، دون ان يبدأ من الشعب وحريته وكرامته.. ودون اقناعه بالعمل البنّاء المنتج!!
لقد انهار كل شيء بهزيمة حزيران.. ومع الأسف فقد اشتركنا في الهزيمة، لأننا لم نكن نملك قوة الموقف العاقل المبني على الخلق!! كنا نعرف اننا ذاهبون الى الهزيمة.. وذهبنا اليها .. بأرجلنا!!.
والآن، وفي جنون «الربيع العربي» كنا ما زلنا نرى اردنين:
- اردن الحقيقة والواقع.
- واردن الحلم الذي نريد!!
ولعل قلة من الرجال اختاروا الوقوف في وجه العبث، واللعب بالوطن، وترك قوى مجهولة النسب الوطني تهدم في الكيان الذي تعب الآباء والاجداد في اقامته!! وهذه القلة كانت ترى بعيون المستقبل ما الذي يمكن ان ينتهي اليه هذا الربيع العربي!!.
اخطأنا مرة فشاركنا في هزيمة حزيران، ولن نعود الى تكرارها تحت اي مسمى آخر، فعندنا الاردن المستقر، المزدهر نسبياً، الواعد بسنوات خصب قادمة, فلماذا نبادله بالفوضى والسرقة والتدمير الذاتي، وفكفكة كيانات سياسية كان يمكن ان تنهض فرادى وتلتقي بوحدة المصالح والمصير؟!.
لماذا نبادل الاردن بهذا الذي يجري في سوريا ولبنان وليبيا والعراق؟ هل لمجرد الانضمام الى ربيعهم؟ الم ننضم الى حزيرانهم فأضعنا القدس؟!