التقدير العام (اقرأ الانطباع العام) أن بيني غانتس وزير خارجية إسرائيل ورئيس حكومتها «البديل»، وهي صفة هجينة ومستحدثة، يعارض الضم أحادي الجانب لأراضٍ فلسطينية، ويخوض سجالاً مع رئيس حكومته بنيامين نتنياهو على هذا الأساس، وأن واشنطن تنتظر موافقة غانتس على أي خطة للضم، لكي تمحضها تأييدها واعترافها.
لكن صحف إسرائيل ووسائل إعلامها تقول شيئاً آخر، غير ذلك، فالمعلومات المتوافرة عن المداولات التي يجريها نتنياهو مع «خلفه» في حكومة التناوب أو «التبادل»، تقول أن كل ما يريده الرجل ويسعى لاستحصاله هو موافقة نتنياهو على إقرار موازنة عامة للدولة لمدة عامين، يكون خلالها قد حلّ محله في لعبة «التناوب»، حتى لا يغدر به الرجل المعروف بنكثه للعهود والمواثيق، فيحل الكنيست ويذهب إلى انتخابات مبكرة جديدة بحجة الإخفاق بإقرار الموازنة، ليسقط اتفاق التناوب وتسقط معه فرصة زعيم ما تبقى من أزرق – أبيض للانتقال من معقد «الاحتياط» إلى مقعد الرئاسة الفعلية للحكومة.
يبدو أن حكاية «التشاور» و»التنسيق» مع واشنطن والأطراف ذات الصلة، التي يثيرها غانتس بين حين وآخر، بوصفها «شرطاً» لقبول الضم، ليست سوى ورقة ضغط على نتنياهو الذي يستعجل الضم، ويريد أن يجعل منه «درة تاج» إرثه السياسي والشخصي، وهو الذي حطّم الرقم القياسي الإسرائيلي في رئاسة الحكومة متخطياً جميع «الآباء المؤسسين» لكيان الاحتلال والاستيطان والعنصرية.
لكن يبدو أن غانتس، الرجل محدود الخبرة والتجربة، ينسى أو يتناسى أنه يتعامل مع «ثعلب» السياسة الإسرائيلية، الرجل الذي نجح في «جلب» خصمه ومنافسه، منزوعاً من الأنياب والمخالب، إلى «بيت الطاعة» الحكومي، بعد أن أفقده أكثر من نصف المقاعد التي تحصّل عليها في آخر انتخابات عامة (آذار 2020)، حتى أنه بات كالبطة العرجاء، أو كما يقول المثل العربي: كالمنبتّ، لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى.
عين نتنياهو على استطلاعات الرأي العام، التي تعطي اليمين المتطرف غلبة في الكنيست وتعطي الليكود أزيد من أربعين مقعداً، وتبقي على جبهة خصومه مشتتة ومتوزعه على نصف دزينة من الأحزاب والائتلافات الحزبية...ولهذا نراه «يجأر» بقوة: إما الضم أو العودة إلى انتخابات مبكرة رابعة، تعيده على رأس حكومة سادسة، وتلقي بخصومه في زوايا التاريخ المعتمة.
نتنياهو على عجلة من أمره لإتمام الضم، والسبب خشيته من مغادرة ترامب وفريقه البيت الأبيض بعد استحقاق نوفمبر القادم الرئاسي في الولايات المتحدة...ولو أن قرار الضم محكوم فقط بالحسابات الإسرائيلية، فلربما آثر «بيبي» تركه لعام أو نصف عام قادمين، يكون خلالها قد نجح في تشظية ساحة خصومه، والعودة «ملكاً متوجاً لإسرائيل» قادراً على فعل ما يشاء، كيفما يشاء ووقتما يشاء.
قرار الضم على ما يستبطنه من مضامين استراتيجية وإيديولوجية عميقة، إلا أنه ليس منزهاً عن الحسابات الشخصية لرئيسي الحكومة، الفعلي والاحتياطي، غانتس في هذه اللعبة ليس أفضل من نتنياهو على الإطلاق ولا ينتمي لـ»طينة» سياسية أو أخلاقية مغايرة لـ»عجينة» نتنياهو...وهو إذا ما تلقى بعض الضمانات والتطمينات على وفاء نتنياهو لاتفاق التناوب والتداول، فإنه سيمضي مهرولاً إلى تنفيذ قرار الضم، موسعاً كان أم مقلصاً، دفعة واحدة أم على دفعات، الآن أو بعد حين...غانتس سبق أن قبل بصفقة القرن، بخرائطها الموسعة للضم، وهو عاد وكرر اشاداته بالصفقة / السانحة، ومن البؤس أن يتعلق أي منا بحبال الأوهام الواهية.