في تصريحات لافتة، وبالغة الأهمية للقيادي الفتحاوي المعروف حسام خضر، قال الرجل قبل أيام إن “مؤسسات السلطة الفلسطينية الأمنية “تابعة بالكامل للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وأن مهمتها الرئيسة هي “تأمين الأمن الجماعي للإسرائيليين مقابل تحقيق مكتسبات مادية لمجموعة من المتنفذين في السلطة”.
وقال خضر إن السلطة الفلسطينية التي جاءت نتاج اتفاقيات “أوسلو” مجرد مشروع اقتصادي أمني يستفيد منه 5% من قيادات منظمة التحرير، ومشروع أمني يخدم سائر “الإسرائيليين”، معتبرا أنه لا أفق أمام الفلسطينيين طالما ظلت هذه الاتفاقيات قائمة.
وأضاف: “لقد تم إلحاق المؤسسة الأمنية الفلسطينية تماما بالمؤسسة الإسرائيلية، حيث أن هذه الإلحاق تم في اتجاه واحد”، إذ يكون من حق المؤسسة الأمنية “الإسرائيلية” الحصول على كل المعلومات التي تريدها من أجهزة السلطة الفلسطينية الأمنية، في حين أن هذه الأجهزة ليس بإمكانها الحصول على أية معلومات من الطرف الصهيوني.
واعتبر خضر أن إطلاق مصطلح “تنسيق” على العلاقة بين الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة والأجهزة الأمنية الإسرائيلية هو “تضليل”، وأن ما يجري حقيقة هو “تعاون وإلحاق كامل”.
وأكد خضر أن المفاوضات لن تفضي إلى أي دولة حقيقية، وأن اتفاقيات “أوسلو” جعلت السلطة الفلسطينية مجرد “جنين ينمو في رحم “إسرائيل” ويعتمد عليها بالكامل في كل شيء”، وهذا ما يستوجب نسف المؤسسات القائمة وبناء مؤسسات تنطلق في عملها من المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني.
ونوه خضر إلى أن “أوسلو” أفقدت الفلسطينيين كل أوراق القوة على كل الصعد، وهذا ما يحتم على جميع الفرقاء في الساحة الفلسطينية العمل على البحث عن أوراق القوة التي تدعم الوجود الفلسطيني، دون الرهان على مخرجات “أوسلو”.
هذا صوت حر من داخل حركة فتح يقول الحقيقة دون مواربة، ويؤكد أن الحركة لا زالت تملك من العقول والشرفاء ما يجعلها قادرة (لا ندري متى؟) على تجاوز هذا المسار العبثي الذي يختلق لنا بين حين وآخر مسرحية تلهي الشعب الفلسطيني عن مواجهة الحقيقة المتمثلة في أن ما يجري هو محض إضاعة للوقت، وتكريس لواقع سلطة تحت الاحتلال؛ قد تسمّى دولة لاحقة، وقد تحصل على الاعتراف الدولي من دون أن تتغير الحقيقة على الأرض، بل في سياق من تحويل الصراع إلى مجرد نزاع حدودي بين دولتين.
يذكرني كلام حسام خضر، بمقولة الكاتب الإسرائيلي المعروف في وصف السلطة التي سمّاها “الاختراع العبقري المسّمى سلطة فلسطينية”، ويذكرنا أيضا بقرار نتنياهو وقف كل أشكال التنسيق مع السلطة باستثناء التنسيق الأمني، مع أن وقف أموال الضرائب لا يعدو أن يكون وسيلة ضغط، ولن يتحرك الصهاينة أبدا في اتجاه تفكيك السلطة التي يُعدُّ التخلص منها “سيناريو الكابوس” كما كانوا يسمونه؛ هي التي خلصتهم من الوجه القذر للاحتلال، أكان الأمني، أم الاقتصادي الذي يكلف ملبارات الدولارت سنويا، أم السياسي الذي حوّل الصراع عمليا إلى نزاع بين دولتين عمليا، وليس بين شعب واقع تحت الاحتلال وقوة محتلة.
يأتي كلام حسام خضر بعد زفة اللجوء إلى المؤسسات الدولية التي لا تعدو أن تكون فصلا جديدا من إشغال الشعب الفلسطيني بإنجازات وهمية لا تسمن ولا تغني من جوع، تماما كتلك الزفة التي تابعناها سابقا في سياق من حصول فلسطين على عضوية مراقب في الأمم المتحدة.
المؤكد أن عاقلا في فتح لا يمكن أن يصدق إمكانية الحصول من نتنياهو على دولة كاملة السيادة على حدود عام 67، ولا حتى دولة بالمواصفات التي عرضت في كامب ديفيد صيف العام 2000، ولا حتى بالمواصفات التي عرضها عريقات على ليفني وفضحتها وثائق التفاوض، لكن ذلك لا يغير شيئا في إستراتيجية قيادة السلطة التي توقّع مع الاحتلال اتفاقات مياه وغاز بعيدة المدى كأنها دولة كاملة، بما يشي بأنها لا تفكر أبدا في أي مسار اشتباك حقيقي مع الاحتلال، وحتى قصة المقاومة الشعبية لا تتردد إلا في معرض التلويح والحرد السياسي، بينما يجري إجهاض أي نفس مقاوم في عموم الضفة الغربية، وحين يجري الحديث عن المصالحة، فالأمر لا يعدو أن يتلخص في انتخابات يستعيد من خلال محمود عباس الشرعية التي فقدها في انتخابات 2006، ومن ثم ضم قطاع غزة إلى منظومة العبث السياسي والأمني في الضفة الغربية.
ما دفعنا إلى نقل كلام حسام خضر، رغم أنه شخص معروف بتغريده خارج السرب، وإن سكت نسبيا خلال الأعوام الأخيرة، هو أننا نبحث عن أمل بتغيير من داخل حركة فتح التي لا يمكن لأي تحول في المسار الفلسطيني أن يتم من دون تغيير داخلها، يستعيدها كحركة تحرر، بعد أن كرّستها القيادة التي ورثت عرفات كحزب سلطة تحت الاحتلال.
لا بد من حراك من داخل الحركة يقول لا لهذا العبث، ولا يشارك في حفلات تزكيته بين حين وآخر، وهي حفلات تثير اليأس والإحباط، إذ كيف لمناضلين وشبان أن يقبلوا بمسيرة العبث هذه ويصفقون لها على هذا النحو، فضلا عن أن ينخرط فيها آخرون من خارج فلسطين يعلمون أن قيادتهم قد فرطت على رؤوس الأشهاد بحق عودتهم إلى ديارهم، وتبحث لهم عن ملاذ في كندا أو أستراليا؟!
تيه حركة فتح هو تيه القضية، وحين يضاف إليه حشر حماس في القطاع واستهدافها في الضفة، فتلك مصيبة أخرى لا توقفها غير انتفاضة يبادر إليها الشعب. انتفاضة تغلق السلطة والاحتلال والغرب النوافذ التي يمكن أن تتسلل منها بكل وسيلة ممكنة، لكن ثقتنا باندلاعها يوما ما لن تتزعزع.