يشكل اختطاف السفير الاردني في ليبيا فواز العيطان, ذروة الفلتان الأمني وحال تفكك «الدولة», التي لم تقم في واقع الحال, منذ اطاحة الاخ قائد الثورة ملك ملوك افريقيا, وتسلّم اكثر من حكومة انتقالية مقاليد السلطة المتداعية التي ورثتها عن قائد ثورة الفاتح من سبتمبر, خصوصاً بعد فشل الصيغة الاخيرة «المؤتمر الوطني» وعدم إسهام الانتخابات التي جرت في استعادة مقومات الدولة أو وضعها على طريق التأسيس, بعد أن تكرّس توزيع المغانم, وفق أسس وقيم ما قبل الدولة, وتم إحياء الغرائز والعصبيات الفئوية والجهوية والعشائرية والعِرقية, واستعادة ثقافة الاقصاء والالغاء ودائماً في التلويح براية الفدرلة أو الأقلمة, وإعادة ليبيا الى عصر الاقاليم «الثلاثة» الشهيرة والتي بدأت في اقليم برقة, ولم تنته بالطبع عند مطالب الامازيغ, حتى لو جيء بالامازيغي نوري بوسهمين, على رأس هذا المؤتمر, الذي هو «شكلياً» أعلى سلطة في ليبيا, بصرف النظر عن عمليات «الاطاحة» التي لا تتوقف بالحكومات التي تشكلت, كذلك اولئك الذين ترأسوا «السلطة العليا» من مصطفى عبدالجليل الى نوري بوسهمين, الذي يخضع لتحقيق في شأن الفيديو الذي تم تسريبه حول تورطه في قضايا دعارة, ولم تتوقف عمليات «المطاردة» عند آخر نسخة من رؤساء الوزارات (عبدالله الثني) ومِنْ قبله علي زيدان, والأكثر شهرة «الليبرالي» محمود جبريل, الذي يعشق الاضواء وإطلاق التصريحات الرنانة, دون أن يحالفه التوفيق أو الحظ, في عدم الانزلاق الى إصدار أحكام مُسبقة, والجلوس في مقعد الحكماء, وبخاصة تصريحاته الاخيرة لصحيفة القدس العربي, الصادرة في لندن يوم أمس حول الاوضاع في سوريا وحكاية «الخدمة» التي يؤديها لاسرائيل, بقاء النظام السوري «بلا أنياب ومخالب»، منزوع السلاح ومُهَدّد, وهو أمر يعكس التناقض الذي يعيشه رئيس اول مجلس تنفيذي في ليبيا ما بعد «الثورة», والذي كان موضع «رهان» عواصم الغرب الاستعماري, التي دمرت ليبيا وأحالتها الى ساحة للفوضى وعربدة الميليشيات, ولم ينجح «عزيز الغرب» الذي ما يزال يجأر بالشكوى نتيجة «قانون العزل السياسي» الذي اقره المؤتمر الوطني (البرلمان) وأجبره على الذهاب الى صحراء السياسة, دون أن يفقد «ولعه» بالاعلام, للبقاء في دائرة الاضواء، علّ احداً يتذكره فيأتي به الى دور «متجدد» لانقاذ ليبيا, التي لم تعد دولة فضلاً عن حقيقة انها لم تكن تحمل صفة الدولة في عهد صاحب الكتاب الاخضر الذي أفقر شعبها وانتهك حقوقه الاساسية ونَهَبَ ثرواته وهجّر مثقفيه وعلماءه..
هل قلنا عبدالله الثني؟
نعم، اذ بعد ان هرب او هُرّب علي زيدان, الذي كان بالفعل بلا لون او طعم او رائحة, ولم يكن يحمل من صفات رجل الدولة اي نسبة، وتغوّل الميليشيات المسلحة, وجُبن «النخبة» السياسية التي جاءت عبر صناديق الاقتراع، وتواطؤ الاخوان المسلمين من خلال حزبهم (العدالة والبناء) في المؤتمر الوطني، ما افضى الى فراغ هائل في السلطة وغياب تام لهياكل الدولة (المُفترضة) وخصوصاً جيشها (..) وأجهزتها الأمنية فضلاً عن الفساد ونهب الثروات والتمرد المسلّح وسيطرة الميليشيات على حقول النفط وخصوصاً مرافئ التصدير، ولم تكن «حكاية» الناقلة الكورية الشمالية سوى الدليل الأبرز على فلتان افقي وعامودي شامل في ليبيا الثورة، التي «حررها» الأطالسة من نير القذافي, لتسقط ثمرة ناضجة في حضن الاحتكارات النفطية وشركات الاعمار وسماسرتهم وخصوصاً استقدام الخبراء في كل الاختصاصات, بدءاً بالشؤون الامنية، وانتهاءً باشارات المرور وضبط حركة السير في الشوارع..
ما علينا..
عبدالله الثني المكلف تشكيل حكومة جديدة, ابدى زهداً في منصب لا يجلب الاحترام ولا يوفر الامن لصاحبه.. فاستقال, فيما كان علي زيدان, وقد حاورناه في عمان طويلاً, وطرحنا عليه الاسئلة وجادلناه, لكنه كان فقيراً وبائساً على نحو لا تخطئه العين, وبين ليلة وضحاها فرّ في طائرة خاصة الى مالطا ومنها الى المانيا التي يحمل جنسيتها وحيث تسكن عائلته..
هي ليبيا الجريحة والفاشلة والمتصدعة والمرشحة الى التقسيم والتحوّل الى ملاذات آمنة للجهاديين والتكفيريين والمتطرفين, واستطراداً الى ساحات تدريب بالذخيرة الحية لجيوش الاطلسي والطائرات بدون طيار الاميركية لقتل الليبيين (كما تفعل في اليمن وباكستان وافغانستان), تحت دعاوى محاربة الارهاب, لكن أعين «النسر» الاميركي على مصر, بعد أن فرّت الجياد من الاسطبل وتريد الآن إعادتها.
لكنها عبثاً.. تحاول.