رغم أن المسألة الفلسطينية تبدو متعددة الملفات، أو هكذا أريد لها أن تكون، إلا أن حقيقة الأمر هي أن الملفات الرئيسية التي تشغل بال وحال وواقع الفلسطينيين، في داخل الوطن وخارجه، إنما هي متداخلة ومترابطة، ويؤثر سلباً أو إيجاباً، أحدها في الآخر.
منذ وقت والناس جميعاً تلاحظ، وكأن ثمة خيطاً خفياً يربط بين ملفي المصالحة والمفاوضات، بحيث ان تقدم الاهتمام بأحدهما يرافقه أو يتبعه أو يلازمه تراجع الاهتمام بالآخر، والعكس صحيح، يستوي في ذلك التفاوض السياسي مع التفاوض الأمني، نقصد، ان ما ينطبق الآن حول المفاوضات السياسية بين السلطة وإسرائيل، يتطابق مع ما جرى في مناسبات سابقة بين "حماس" وإسرائيل بشأن التهدئة.
وتجاه أول بارقة أمل لوضع حد للانقسام، آخر شهر تشرين الثاني عام 2007، وحين وصل وفد "حماس" للجانب الفلسطيني من معبر رفح، في طريقه للقاهرة، أطلقت إسرائيل إشارة التهدئة، ففضلت "حماس" التهدئة مع إسرائيل على المصالحة مع "فتح"، وبعد انتخاب مرشح الإخوان رئيساً لمصر في حزيران 2012 أدارت "حماس" ظهرها للمصالحة تماماً، رغم ان أبو مازن بقي مصراً على أن مصر هي راعي المصالحة، ومنذ تموز الماضي، تغير واقع الحال بالنسبة لـ "حماس"، فصارت أكثر استعداداً للمصالحة، لكن في الوقت نفسه انطلقت عجلة المفاوضات، فلم تهتم السلطة و"فتح" كثيراً بإشارات "حماس" تجاه المصالحة، الآن ومع اقتراب موعد انتهاء الفترة التفاوضية، يبدو الحديث عن التقدم في ملف المصالحة، مثل الحديث عن التوجه للأمم المتحدة، وهذا يعني بأن الجميع يعرف أن إنهاء الانقسام ورقة قوة بيد الفلسطينيين، مثل الدخول في مؤسسات الأمم المتحدة!
يبدو رغم كل شيء أن هذا العام، سيكون عاماً صعباً، ولن يشهد حسماً في أي أمر، وكلما ازدادت التعقيدات في المنطقة، بات حل المسألة الفلسطينية أكثر صعوبة، وهذا واضح من خلال محاولة جون كيري وزير الخارجية الأميركي، الذي بذل جهوداً خارقة من أجل التوصل الى حل، ولكن لا الجانب الإسرائيلي مستعد للحل الوسط، ولا الجانب الفلسطيني مستعد للاستسلام، لذا فلا حل إلا درء المخاطر، أو منع الانهيار، أو بمعنى أكثر وضوحاً وصراحة منع المواجهة بين الطرفين.
لا ينقص من شأن الكفاح الفلسطيني، القول إن إسرائيل تتدخل بهذا القدر أو ذاك في الشأن الداخلي الفلسطيني، بل وتنجح كثيراً في تحقيق مآربها من خلال الشقوق بين الأشقاء، وما زالت إسرائيل ناجحة في منع "حماس" و"فتح" من تحقيق المصالحة، إضافة لعوامل أُخرى بالطبع، كما ان الكفاح الفلسطيني يؤثر على وفي الوضع الداخلي الإسرائيلي، بل على الخارطة الحزبية فيها، وحيث ان الانشغال بتحقيق المكاسب السلطوية بين المتخاصمين ( فتح وحماس ) تشغلهما عن مقارعة إسرائيل، على الأقل موحدين، فلا شك أن هذا يقارعها من خلال الكفاح السياسي والدبلوماسي، وذاك من خلال تعزيز القوة العسكرية في غزة، ورغم الملاحظات على الأداء هنا وهناك، فان مما لا شك فيه أن تكامل أشكال الكفاح، فضلا عن تبادل الأدوار وتوحدها، سيضاعف من قوة الفلسطينيين، وسيلحق أذى أكبر بإسرائيل.
وحيث ان المواجهة بين الطرفين الفلسطينيين، تتم بمعزل عن الوحدة بينهما، بل وعن خوضها في ظل جبهة وطنية موحدة، تضم كل الفصائل والقوى، والأهم بمعزل عن الحاضنة الشعبية، كمراقب ومشارك، فان المواجهة الشاملة ما زالت غير متحققة، أي أن حرب التحرير الشعبية لم تنطلق بعد، المعركة الأخيرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، التي سيعقبها توقيع اتفاق السلام بينهما، لم تبدأ بعد، معركة دحر الاحتلال وإقامة الدولة المستقلة، وفي ظل عدم وجود عدو خارجي، او عدم وجود حالة الحرب مع هذا العدو الخارجي فإن الأشقاء يقتتلون ويتحاربون على غنائم وهمية، لكن وحيث إن إسرائيل تظن أن الضعف الفلسطيني الناجم عن الانقسام وعن انشغال المنطقة العربية بأوضاعها الداخلية، بل وانشغال العالم بملفات أُخرى عديدة، يمكن لها أن تفرض ما تريد الاحتفاظ به، من احتلالها المستمر منذ عام 67، أي القدس، والمستوطنات والأغوار، فإنها أطلقت شرارة الحرب، كما سبق وأن فعل أريئيل شارون عام 2000، في القدس، ولأن للبيت رباً يحميه، وللقدس شعباً يدافع عنها، فقد استطاع بضع مئات من المرابطين داخل الحرم من التصدي لجحافل مغول العصر، من جيش ومستوطنين، هؤلاء المرابطون في الحرم القدسي الشريف هم بوصلة الفلسطينيين، حيث على طريق وفي سياق المواجهة مع الاحتلال، المواجهة الشعبية، متعددة الأشكال والأساليب، يمكن أن تتم المصالحة والوحدة الوطنية، ويمكن دحر الاحتلال، وتحقيق الأهداف الوطنية، ودون ذلك شعارات، فلا مفاوضات السلطة ولا مقاومة "حماس" يمكن ان تلحق الهزيمة بالاحتلال، فقد مضى عهد تحقيق النخب السياسية والعسكرية للبطولات القومية، وبات الشعب هو البطل الوطني والقومي وهو الحاكم وهو السلطة، آخر ما نقوله _ الآن _ طوبى للمرابطين في المسجد الأقصى، فهم النخبة وهم الطليعة وهم الطلقة الأولى في معركة التحرير وإقامة الدولة وتحقيق الأهداف الوطنية.