إذا استمرت حكومة الدكتور النسور في السير بثبات نحو برامجها التربوية فستستعيد وزارة التربية حكما وزنها النوعي كأبرز وزارة سيادية تحظى بدعم شعبي واسع لقراراتها الاخيرة , مِن استعادة هيبة التوجيهي وصولا الى الغاء النجاح التلقائي الذي اسهم في وصول طلبة أميين الى مراحل الدراسة الثانوية ودَعمَ انتشار ظاهرة الغش والاعتداء على المراقبين وباقي اركان العملية التربوية , فلا يوجد طالب ممن يحصلون على معدلات من جيد الى اعلى يمارس عملية الغش او يسعى للحصول على الاسئلة .
العملية التربوية الاردنية نجحت في انتاج الكفاءات ونجحت اكثر في وضع الاردن على الخارطة العربية كأبرز مصدر للكفاءات البشرية , و أسهمت هذه الدولة القليلة الموارد والصغيرة حجما في نشر التعليم والعلم في معظم اقطار العالم العربي وخاصة الخليج الشقيق , واكدت مصادر تربوية خليجية اكثر من مرة ان تراجع العملية في بلدانهم كانت بسبب خروج المعلم الاردني من مدارسهم ولهذا عادت الى الاستعانة بالمعلم الاردني , فلماذا اذن تراجع التعليم في الاردن وعلى المستويين المدرسي والجامعي ؟
ابرز اسباب التراجعات كانت سياسية بالمجمل , بعد ان اختلطت السياسة التربوية والتعليمية بالتجارب المستوردة من بيئات غربية لا تتناسب وطبيعة المجتمع الاردني وطبائع التربية الاردنية , فشعر الطالب الاردني بانفصام معرفي وانفصام سلوكي , فالمعلم الذي بقي طوال عمر العملية التربوية في الاردن يحتل مكانة رفيعة , تراجعت قيمته وتراجعت سُبل معيشته الكريمة ودعم الاهالي للاسف هذا التراجع بسند من قرارات سياسية لوزارة التربية , وشاهدنا كيف يصل المعلم الى المخفر بسبب شكوى ذوي طالب .
العملية التربوية ورغم دخول عالم التكنولوجيا الى غرف الصفوف الا انها لم تدخل بسلاسة الى عقول الطلبة واداء المعلمين بسبب الاستعجال بأتمتة التعليم دون تغير العقول , فالأداة المستخدمة تنسحب على السلوك العام , ولعل دخول الهاتف الخلوي قد فرض انماطا سلوكية لا ينكرها احد كدليل على صحة التحليل بأن الادوات المستخدمة تنسحب على السلوك وبالتالي على علاقات المجتمع , فالطالب استكان الى محركات البحث البليدة اكثر من ارتكانه على المعلم وكتاب التربية الذي اختزلته مراكز غير مرخصة بدوسيهات ودروس خصوصية لمجموعات طلابية في ظاهرة لم نعرفها قبلا الا في الافلام المصرية بشكل اسهم في توسيع الهوة بين واقع الاسئلة وواقع المعرفة , والاخطر كان ارتفاع منسوب الجفاء بين الجيل الجديد والكتاب المقروء لصالح لوحات الكمبيوترات الذكية والبليدة فضاع التركيز وضاعت ثقافة البحث لصالح النقل الجامد وصار الطالب حاملا للبحث دون معرفة محتواه .
وأكمل النجاح التلقائي الطامة , فبات المعلم بلا فائدة ولا هيبة , فالنجاح مضمون ومحركات البحث تحقق الغاية ومراكز التعليم شرعنت الدروس الخصوصية , وتحولت المدرسة الى ساحة لعب وساحة عبث وتفاخر بنوع الاجهزة الخلوية وماركات الاحذية الرياضية , فصار الولاء النادوي اعلى من الولاء للوطن ونقل المجتمع تجربة النجاح التلقائي على باقي المسارات الاجتماعية والسياسية والبرلمانية .
بعد التربية وضبط ايقاعها على الحكومة ان تسير بثقة نحو الغاء النجاح التلقائي في البرلمان وباقي المواقع السياسية من خلال قانون انتخاب يضمن ان يبحث المرشح عن الفوز وليس نقله او سرقته بالمال الحرام او ضعف المشاركة , وان ترفع مستوى المحاسبة والرقابة على المسؤول الرسمي ليشعر بطعم النجاح وكلفة الفشل , فقلة المحاسبة تورث قلة الهيبة , فلا احد يَسأل او يُساءل , وبالتالي لا قيمة للنجاح ولا كلفة للفشل .
النجاح التلقائي يجب ان يُلغى من كل المقررات الاردنية سواء التربوية او السياسية فهو اول الدمار للمجتمعات واول الدمار لانتاج المسؤول غير المسؤول .