أخر الأخبار
غزة في انتظار العمادي
غزة في انتظار العمادي

رغم أن معظم المراقبين والمتابعين يرجحون بأن كلا الطرفين، حركة حماس وإسرائيل، ليس لهما مصلحة ولا رغبة في تصعيد المواجهة على جبهة غزة، ليس لدرجة اندلاع حرب بينهما، ولا حتى مواجهة يسقط فيها ضحايا على الجانبين أو حتى على جانب واحد، إلا أن إطلاق البالونات الحارقة ما زال مستمراً منذ نحو أسبوعين، وإن كان قد ظهر واستمر بشكل متدرج، لكن ليس لدرجة حادة، ولا عنيفة أي مترافقة مع إطلاق صواريخ، إلا على شكل الاستثناء الذي يؤكد القاعدة، ما يعني أن هذا الشكل من الاحتكاك، الذي يمكن وصفه بأنه مجرد تحريك لمياه راكدة، على حدود قطاع غزة، إنما يهدف لتحقيق مكاسب معيشية، وليست سياسية هذه المرة، بالتحديد من طرف «حماس» التي بادرت لإطلاق البالونات، وليس إسرائيل.
ليس شكل «جر الشكل» وحسب هو الذي يحدد الهدف المقصود تحقيقه من هذا الاحتكاك، الذي هو أقل بكثير من درجة التصعيد الأمني، ولكن أيضاً التوقيت، والظروف المحيطة باللحظة. وفيما يخص الشكل أو أداة الاحتكاك، فقد اقتصرت على إطلاق البالونات الحارقة، وبشكل ليس كبيراً أيضاً، بحيث أحدث حرائق متفرقة، هنا وهناك في مزارع مستوطني الغلاف، وبشكل متدرج يعني أن «حماس» ترسل رسالة لإسرائيل، ولا تريد بل لا تفكر بالمواجهة أو تكسير أدوات اللعبة التي تمارسها مع إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية معاً، منذ نحو عقد ونصف العقد، وقد اتضحت مطالب «حماس» دون مواربة، وإن كانت بالحد الأقصى عبر مطالب تقدمت بها للوسطاء المصريين ومبعوث الأمم المتحدة والجانب القطري، ولوحظ أنها عالية السقف، تضمنت توسيع مساحة الصيد البحري لعشرين ميلاً بحرياً، واستمرار المنحة القطرية لخمس سنين، وزيادتها لتشمل مائتي ألف عائلة بدلاً من مئة ألف، كذلك السماح لمائة ألف عامل فلسطيني بالعمل في إسرائيل، وإطلاق مشاريع الأمم المتحدة في غزة.
واضح أن هذه المطالب تفاوضية، لكن مع ذلك السؤال هو: لماذا لم يكن المطلب إلزام إسرائيل بالتفاهمات السابقة، حيث إن تقديم جملة مطالب يعني الدخول في مفاوضات جديدة، كذلك حزمة هذه المطالب تجاهلت مبادرة يحيى السنوار قائد «حماس» الأول في غزة، بعد خروج إسماعيل هنية منها، حول الأسرى، التي كان قد أعلنها قبل عدة شهور، ولم تتفاعل معها إسرائيل، رغم كل اللغط حول وسطاء صفقة تبادل الأسرى الذي وظفه نتنياهو في حملته الانتخابية السابقة.
أما فيما يخص التوقيت، فقد جاء في آخر فصل الصيف، حيث يكون الوقت مناسباً للبالونات التي تهدف إلى إحداث الحرائق، ويمكن التحكم بها جيداً، نظراً لعدم وجود رياح يمكن أن تذهب بها بعيداً، والأهم أنها جاءت بعد مرور الأول من شهر تموز، وبعد فشل عقد المؤتمر الوطني في غزة، الذي كان من شأنه أن يعلي من قدر «حماس» داخل الشارع الغزي، ثم يجيء إطلاق البالونات بعد مرور أكثر من عام، دون حدوث مواجهة تذكر، حتى حين تم اغتيال  بهاء أبو العطا القائد في الجهاد، أي بعد أن اقتنعت إسرائيل بأن ذراع حماس العسكرية غير موجهة نحو إسرائيل.
طبعاً «حماس»، التي تشددت في مطالبها، تحاول استغلال الفرصة الحالية، حيث إن إسرائيل تتجنب المواجهة وهي تواجه مشاكل داخلية خاصة بالحكومة، كذلك خشية أن تصعّد المواجهة في جبهة غزة برميل البارود في الضفة الغربية، بعد الشحن الذي تبع إعلان الضم قبل أشهر، والأهم الآن حاجة إسرائيل الماسة لتجنب الصخب حتى لا يؤدي إلى التشويش على اتفاق التطبيع مع دولة الإمارات.
لكن مراهنة «حماس» على حصاد إطلاق البالونات الحارقة، وهي مثل الحجر الذي إن لم يصيب فإنه يزعج، عملياً هي غير ضارة، فهي إن لم تنجح، فلن تخسر شيئاً، خاصة مع هذه الحدود التي تسير بها، ومعروف أن إدارة كل هذا الملف حالياً هي من شأن قيادة «حماس» في غزة، لكن النتائج المتحققة ستكون أقل بكثير مما تقدمت به الحركة للوسطاء، وعلى الأرجح لن يتحقق سوى المطلب المالي الذي تقدمه قطر، أما ما يتعلق بإسرائيل، فيظل بيد إسرائيل، حتى لو وافقت على تقديمه، وهذا مستبعد جداً، أي مساحة الصيد البحري، والسماح للعمال بهذا العدد للعمل داخل الخط الأخضر، حيث يمكنها أن تتراجع عنه لاحقاً وفي أي لحظة.
هنا لا بد من ملاحظة أن الوفد الأمني المصري، بعد تراجع واضح في اهتمام مصر بملف غزة، خلال هذا العام الذي انشغل فيه الناس بـ»كورونا»، قد عاد لبلاده لمجرد أن رفضت إسرائيل مطالب «حماس»، ما يعني أن الجانب المصري يدرك جيداً أن الأمر ليس خطيراً من الناحية الأمنية ولن يؤدي هذا الاحتكاك لا إلى تصعيد أمني ولا إلى مواجهة.
الملاحظ أيضاً أن «حماس» تشعر بخيبة أمل؛ جراء التزامها هي من جانبها بوقف معظم أشكال التصعيد التي كانت تتبعها من قبل، وهنا لا نقصد إطلاق الصواريخ وحسب، ولكن أيضاً وقف مسيرات العودة، أو الاحتجاج الشعبي، وبدلاً منه تسعى لإقامة مهرجانات التأييد والاحتفال بها أو بما توهم الناس به، بأنه وحدة وطنية في مواجهة الضم، داخل قطاع غزة.
غزة الآن في انتظار الموفد القطري محمد العمادي، ما يعني أن مطلب «حماس» الخاص أولاً بالإبقاء على المنحة القطرية، بعد أن لاح في الأفق أن قطر تنوي وقفها، وبعد جهد من رئيس الموساد الإسرائيلي، وافقت قطر على الاستمرار بها، وثانياً بضمان استمرارها لمدة خمس سنوات قادمة، وثالثاً زيادة المنحة لتشمل مائتي ألف عائلة بدلاً من مئة ألف، هي البنود التي ما زالت على طاولة «حماس»، ولكن بينها وبين قطر.
حتى هذه الأموال هدد الإسرائيليون مؤخراً للضغط على «حماس»، بالقول: إنه ليس هناك ما هو متحقق أو مضمون في جيب «حماس»، لتفكر أو تطمح بما هو أعلى، بمنع وصولها لـ»حماس»، من خلال منع العمادي من الدخول لغزة، حيث كما هو معروف أنه يدخل غزة عبر إسرائيل وليس عبر مصر مثلاً.
مجمل القول: إن الأمور ما زالت تراوح مكانها، ولا أفق لكسر الحصار، الذي لن يكون إلا بعد ترتيب سياسي حاسم للشأن الفلسطيني كله، وهكذا تجري الأمور بـ»حماس» إلى القول: نحن هنا.