حين منحت حكومة مؤسس المملكة الملك عبد الله الأول بتاريخ 9 كانون الثاني/يناير 1946م قرار ترخيص لجماعة الإخوان المسملين،كانت الصورة الأولى غير صادمة، فالجماعة آنذاك كانت غير بعيدة عن التراث الدعوي والإصلاحي لمؤسسها حسن البنا، وهو المنخرط في الجدل الإصلاحي آنذاك وعبر عنه بوضوح في عدة مقالات، لم يمنعه تأسيسه للجماعة من الانخراط في الجدل الإصلاحي الوطني المصري او المشاركة مع كافة التيارات في المبادرات المطروحة.
وعبر سبعة عقود ونيف من عمر الجماعة في الأردن، ظلت الحركة الإسلامية دوما كلما تقدمت في العمر، كلما نحت للتشدد والانغلاق. صحيح أنها شاركت في بعض المحطات في العملية السياسية الأردنية، إلا أنها بالمجمل شكلت مصائرها من صنع تشددها الذي نسجته مواقفها العامة.
وفي الموقف من قيادات «زمزم» القاضي بفصلهم لكونهم ذهبوا إلى ما هو فوق الجماعة والحزب، في إطار وطني عام، يتضح أن الرؤية الحاكمة لعقل الجماعة لا تقبل بإمكانية الاجتهاد والمراجعات في المواقف ولا بالمشاركة إلا من خلال أبواب مرجعياتها الحاكمة لها، والتي ترى أن التنظيم فوق الوطنّيات، ولا تعترف إلا بما يأتي منها وحدها دون غيرها.
ولعل النتيجة التي لقيها اصحاب زمزم من الإخوان كانت متوقعة، أو أن الفصل من الجماعة الأم قد تأخر، وللأسف برغم ما تُمثل «زمزم» من مبادرة عامة، وليست في تكوينها الـتأسسي إخوانية المصدر، إلا أن الجماعة فهمت أن ما جرى هو انقلاب عليها، او نزوع نحو الانشقاق، مع أن الموقف العقلاني كان يقتضي أن ترحب الجماعة في المبادرة وتعتبرها نوعا من حالة التعدد، وأنها تساهم بها من خلال بعض الوجوه الإسلاموية النهج والتوجه.
ولكن الفصل الذي استحقه القادة الثلاثة في زمزم من جامعتهم التي لطالما بذلوا الكثير من اجلها، كان طبيعياً في ظل تحولات الجماعة، فإذا كانت زمزم مبادرة وطنية للبناء يجمع الكل ويقبل بالاختلاف، فإن السؤال المطروح هل كانت الجماعة ترى نفسها في آخر عشر سنوات ضمن المسار الوطني ام لا؟
قد لا يكون المجال هنا كافيا لفحص مجمل مواقف الجماعة، لكن الموقف الأخير من قادة زمزم، كشف عن حالة متشددة تنمو كل يوم، وتزداد حضورا في عقل الحركة الإسلامية التي ما زالت تعاني الافتراق بين حالتين وطنيتين داخل الجسد الإخواني، وهذا مرده لطبيعة المكون الاجتماعي للحركة، وذهنية التحريم الحاكمة، وهو ما يقود للمزيد من العزلة على الجماعة، نتجية مواقفها العامة، وسمعتها الضعيفة في إطار الربيع العربي والتقائها مع المشروع الغربي.