لفت للنظر ان اسرائيل حتى الان لم تنطق بكلمة او تعلق على ما جرى من لقاءات بين فتح و حماس في اسطنبول الاسبوع الماضي . على الرغم ان الجميع يدرك ان دوائر اتخاذ القرار ، خاصة الجهات الامنية ، تتابع بأدق التفاصيل ما يجرى في الساحة الفلسطينية نظرا لتشابك المشهد الفلسطيني-الاسرائيلي.
عدم التعليق الاسرائيلي حتى الان على ما يجري ربما يعود الى سببين، الاول ان اسرائيل غارقة في مشاكلها الداخلية ، سيما تفشي وباء الكورونا الذي على وشك ان يصبح خارج السيطرة خاصة في التجمعات اليهودية الدينية و كذلك في بعض التجمعات العربية في الداخل و تداعيات هذا الوباء الاقتصادية و آثاره المدمره بعد اضطرارهم لفرض الاغلاق على انفسهم والذي قد يستمر الى ما بعد الاعياد اليهودية.
و السبب الاخر ان الاسرائيليين تعلموا ان يتعاطوا بحذر شديد مع كل ما يتعلق من تطورات في الساحة الفلسطينية سيما موضوع المصالحة او الحوارات بين فتح وحماس .
تجربتهم في هذا المجال وخلال السنوات الماضية علمتهم ان لا يأخذوا على محمل الجد كل ما يصرح به المسؤولين الفلسطينيين و ان الواقع شيء و التصريحات و الاتفاقات و التفاهمات و الاستدراكات شيء اخر تماما.
لا شك ان اسرائيل اكثر المستفيدين من استمرار الانقسام الفلسطيني ، وهذا طبعا ليس اختراع، ولذلك من المنطق ان تحرص على استدامته قدر المستطاع . حتى الان ينجحون في مهمتهم ليس لانهم اذكياء و يعرفون كيف يحافظون على هذا الانقسام بل لان البركة في القيادات الفلسطينية انفسهم الذين لا يدخرون جهدا من اجل استمرار هذا الانقسام ، على الاقل حتى هذه الايام.
لذلك ، في هذه المرحلة و طالما ليس هناك نتائج عملية على الارض ستبقى اسرائيل ملتزمة الصمت ، تلعب من تحت الطاولة و تنفذ ما تريده بصمت . لا شك انهم يأخذون بعين الاعتبار بعض المتغيرات في الساحة الفلسطينية و الاقليمية التي قد تعكس نفسها على نتائج هذه الحوارات.
المتغير الاول هو المكان الذي تعقد فيه هذة اللقاءات و الراعي الحصرى لها.
عقد اللقاء في اسطنبول و برعاية اردوغانية قطرية هو امر لم يحدث من قبل ، ومها حاول المسؤولين الفلسطينيين تبرير او تهميش مكان اللقاءات من خلال القول اننا لسنا جزء من سياسة المحاور و ان اللقاءات اجريت و تجرى في مقر القنصلية الفلسطينية في اسطنبول ، وبعد انتهاء اللقاءات ذهب وفد فتح الى الدوحة و بعد ذلك الى القاهرة في رسالة طمئنة للاخوة المصريين و في طريق العودة لرام الله اللقاء مع رئيس المخابرات الاردنية الا ان هذا الامر في لغة السياسة التي تهتم بالتفاصيل الصغيرة قبل الاهتمام بالاستراتيجيات هو ذات مغزى سياسي بعيد الاجل.
تركيا و قطر دول لها تحالفاتها و لها خياراتها و خيارهم هو الاخوان المسلمين و ليس حركة فتح ، خيارهم خالد مشعل و اسماعيل هنية و العاروري و ليس جبريل الرجوب و العالول و دحلان و الطيراوي ولا حتى مروان البرغوثي.
تركيا وقطر في محور معادي لمحور الاعتدال العربي الذي هو خياره منظمة التحرير و حركة فتح وهو محور مصر و السعودية و الاردن و الامارات و بقية دول الاعتدال العربي.
الذهاب لحوارات في اسطنبول و بعيدا عن لغة الدبلوماسية الناعمة و الابتسامات الصفراء هو تغيير جذري في الاتجاه اشبه بالانتحار السياسي حتى وان كان مجرد تكتيك يهدف الى كسب مزيدا من الوقت .
المتغير الثاني هو تركيبة الوفد الفلسطيني و بالتحديد رئيس الوفد و مايستروا المصالحة الجديد.
من يقود المفاوضات مع حركة حماس الان هو اللواء جبريل الرجوب بدل عزام الاحمد. جبريل الرجوب يتعامل بجدية عالية في هذا الملف و يعتبر على ما يبدو ان مستقبله السياسي مرتبط بنجاحه في هذه المهمة . هو يعرف كيف يستثمر هذه الفرصة التي قد لا تعوض و التي تهيئ لمرحلة ما بعد الرئيس عباس حيث يعتبر ان النجاح في هذة المهمة يكسبه حماس و يعزز مكانته لدى القطريين و يعزز مكانته داخل الشارع الفلسطيني و بعزز فرصه داخل حركة فتح . لذلك هو لديه الاستعداد ان يفعل اي شيء من اجل ان ينجح في هذة المهمة.
على سبيل المثال ، اذا ما تم الاتفاق على اجراء انتخابات التشريعية سينتج عنها تشكيل حكومة وحدة وطنية، حينها من سيكون مناسبا اكثر من جبريل لكي يصبح رئيس وزراء هذه الحكومة ؟
فقط للتذكير جبريل كان من اكثر المعارضين لتولي محمد شتية رئاسة الوزراء او اي عضو اخر من اللجنة المركزية لفتح . السبب واضح حيث في حال غياب رئيس السلطة لسبب او لاخر سيكون اهم موقع هو موقع رئيس الوزراء. لذلك عينه على ما يبدو من الان على هذا الموقع.
المتغير الثالث هو التدهور في الوضع الفلسطيني بعد اتفاقات التطبيع العربية مع اسرائيل و الفشل الفلسطيني المدوي في الجامعة العربية و الوضع الاقتصادي المتردي للسلطة الفلسطينية التي بصعوبة توفر نصف الراتب لموظفيها بعد ان يتم السطو على جزء من حقوق موظفي غزة.
هذا التراجع او هذا التردي في الحالة الفلسطينية و في ظل العجز التام عن القيام بأي فعل حقيقي يغير من المعادلة القائمة كان لا بد من العودة الى مربع حوارات المصالحة التي لم تغير حتى الان اي شيء فعلي على الارض .
ومع ذلك يبقى السؤال الذي يسأله كل فلسطيني وهو هل هناك فرصة حقيقية للتوصل الى اتفاق ينهي الانقسام و يؤسس لشراكة كما يقولون و يقود الى انتخابات تشريعية و من ثم رئاسية و مجلس وطني ام سيكون مصير هذه المفاوضات و الحوارات حتى وان تمخض عنها اتفاقات جديدة سيكون مصيرها كمصير سابقاتها؟
الجواب ليس عندي و ليس عند جبريل الرجوب وليس عند الاسرائيليين و ليس عند الاتراك و القطريين ولا حتى لدى حماس.
الجواب ستجدونه فقط عند الرئيس عباس ، هو الذي قرر في السابق على مدار الخمسة عشر الماضية ماذا يكون مصير اي اتفاق . القائمة طويلة لاداعي للتذكير بها و التي كان اكثرها تفصيلا و ملامسة للواقع الفلسطيني و معالجة قضاياه الوطنية هو اتفاق القاهرة عام ٢٠١١ ووثيقة الاسرى . منذ ذلك الحين لم يتغير الكثير سوى ان الالم الفلسطيني اصبح اكثر وجعا و الجرح استمر بالنزيف.
هناك وجهتي نظر حول ما يريده الرئيس عباس في هذه المرحلة. وجهة النظر الاولى تقول ان الرئيس عباس يريد ان يكسب الوقت الى ما بعد الانتخابات الامريكية . حيث الاعتقاد بأن نتائج هذه الانتخابات ستنعكس بشكل كبير على الوضع الفلسطيني و العربي. الانتخابات ستجرى بعد شهر و الرئيس القادم سواء كان ترامب او بايدن سيتسلم مهامه في مطلع العام القادم ، يحتاج الى شهرين على الاقل لترتيب البيت الابيض. نكون وصلنا الى شهر مارس ابريل.
اذا انتخب ترامب مرة اخرى سيبقى الوضع على ما هو عليه في السياسة الامريكية و بالتالي لا يكون هناك خيار سوى التركيز في ترتيب الفلسطيني الذي اصبح كالبيت المهجور على مدار السنوات الماضية بعد ان تم تفكيك كل مؤسساته و افراغها من محتواها و احتواء كل الصلاحيات التشريعية و التنفيذية و القضائية في يد الرئيس عباس.
اما اذا تم انتخاب بايدن ، وهذا على ما يبدو ما يرغب به الرئيس عباس و القيادة الفلسطينية فهذا يعني انه قد يكون هناك امل في استئناف العملية السلمية و استئناف المفاوضات مع اسرائيل بعيدا عن صفقة ترامب التي ستم ازالتها عن الطاولة قبل ان يغادر هو البيت الابيض.
خلاصة القول اسرائيل تنتظر و امريكا تنتظر ولكن عندما تصبح الامور جدية سيكون لهم تأثير على مجريات الامور وفقا لمصالحهم كما يرونها.