أخر الأخبار
كورونا اغتالت منظومة القيم
كورونا اغتالت منظومة القيم

نشرت وسائل التواصل الاجتماعي التي نشطت بشكل غير مسبوق قصص مؤامرة تصنيع الفايروس، ومنها: أعلن بيل غيتس قبيل أشهر من الجائحة أن حروب المستقبل ستكون من خلال فيروسات مصنعة، يتم إطلاقها لتغيير واقع الحياة ويكون من الصعب مقاومتها إلا بلقاحات يصعب ابتكارها. وبعد حين تربع اللعين (كوفيد 19) على الساحة الإعلامية العالمية وسادت أخباره فأصبنا نراه يكمم أفواه الناس في الشوارع، ويغير أنظمة المعيشة في البيوت، ويسبب إشكاليا حياتية في انتشاره تصاعديا وتنازليا كالنار في الهشيم، وبدأت أخباره في الصين؛ إذ أُتُهِمت بتصنيع الفايروس للفت أنظار العالم إلى تحولها لقوة أعظم تجتاز الولايات المتحدة، وهذا الحديث ذو شجون تمتد مضامينه إلى ما وراء الفايروس.

وأعود إلى تسليط الضوء على تصريح بيل جيتس إذ لا تخفى استفادته وشركائه من الجائحة، واستفادت شركات كبرى من بيع الكمامات ومواد التعقيم فنشط تجار هذه المواد كما ينشط تجار السلاح في الحروب، تجارة مكاسب غير أخلاقية ألحقت كم هائل من الألم والخسائر الاقتصادية للدول والمؤسسات فشركات الطيران والقطاعات الفندقية والسياحية وغيرها قد خسرت تريليونات من الدولارات، وتعرض العالم لأزمات حقيقية أدت الى خسارة مئات الملايين من الناس وظائفهم ودخولهم، في حين استشرى الفقر وزاد بعض الأغنياء غنى، وهذا سيتبعه مجاعة في الدول شديدة الفقر وانتشار غير مسبوق لتجارة المخدرات والاتجار بالرقيق والدعارة، بينما تقف هيئة الأمم المتحدة والمنظمات المدنية مكتوفة الأيدي، ولا يقدم أغنياء العالم في الشمال أي عون نوعي يُذكر للجنوب الذي يعاني مسبقا من فقر ومجاعة وبطالة.

كما وأطاحت كورونا بمنظومة القيم مرة أخرى بعد أن اغتالها صناع الفايروس حين نهجت بعض الدول سياسات متضاربة للتعامل مع إصابات الأشخاص: ففي إيطاليا وإسبانيا اهتموا بالمصابين صغار السن وتركوا كبار السن يواجهون مصيرهم وهذا انعكاس لثقافتهم الاجتماعية. أما في الدول الفقيرة والنامية تركت بعض الإصابات تواجه مصيرها وحدها بسبب التكلفة العالية للعلاج والأجهزة، أو لأن الأجهزة والمعدات غير متوفرة، فشعر المصابين بتخلي بلدانهم عنهم مما قلل انتماءهم لبلدانهم، وكان المصاب عندما يشعر بأنه حمل يتخلى عن التقيد بالتعليمات والبروتوكولات المتبعة ويكفر بالقيم.

كما وجاء الحظر الذي أتبعته بعض الدول بوباء اقتصادي عم فطال الأفراد والأسر فخسروا الكثير من دخلهم وأصبحوا دون خط الفقر بكثير، وكلنا يعلم ما يجتره الفقر من جرائم وكيف يفض منظومة القيم، كيف لا وهو يشيع الظلم الاجتماعي والتمايز ويخلق حالة من التنافس غير الإيجابي، ويشيع الاستغلال، فالحكومات مشغولة بتأمين المستشفيات والمراكز المتخصصة وتوفير الكوادر والمستلزمات الخاصة بهذا الوباء.

ولم يكتف الحظر بنيله من الاقتصاد فقد عانت الأسرة من الأمراض النفسية التي ذهبت ببعضهم إلى الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي والألعاب والبرامج البديلة التي باعدت بينهم وبين اللقاءات الإيجابية والتواصل الحيوي، وأوجدت مصدرا للتعلم الذاتي البعيد عن القيم. حتى الطلاب شعروا بالتوتر والضياع والظلم حين وجدوا أنفسهم أمام أجهزة الحاسوب والهواتف الجوالة لتلقي علومهم من مدارسهم وجامعاتهم وهذا جعلهم يشعرون أنهم حرموا من حقهم في التعليم مقارنة بطلاب السنوات السابقة.

وأخيرا فأن الجائحة قد اغتالت المنظومة القيمية حين عبثت بأمن وقوت ودخل وتعلم أبناء المجتمع، وقد أثرت تراكميا رغم قصر عمرها إلى الآن فأطاحت بالكثير من القيم حين تراكمت الأمراض النفسية والاجتماعية والاقتصادية فتراجع الإنتاج والعطاء، وعلى الحكومات أن تجد برامج تأهيل للأجيال التي يجب الاعتماد عليها في التطوير والبناء وتعيد بناء المنظومة القيمية.