يخطون صورك يا رسول الله بألوان سوداء كلها حقد وكراهية دفينة، بل وأصبحت رسومكم هي عنوانًا للحرية والديمقراطية، صلى الله عليك وسلم، لو يعلمون، آه لو يعلم ماكرون ورساموه روحك الجميلة وعواطفك الجياشة ، تعلمنا منك منهجًا للحياة، ومن ضمن ما تعلمناه منك الحب، فأقررته أولًا ثم هذبته ونظمته، هو الحب الأزلي بين آدم وحواء، بين رجل وامرأة، وامرأة ورجل.
حين خاطبتك السماء أول مرة، خفت يا رسول الله، كان يقضي المنطق أن تذهب لعمك أو ابن عمك فارس الفرسان حمزة، أو عشيرتك، ولكنك ذهبت لزوجِك خديجة، طلبت منها أن تضمَّك وأن تدثرك.
لم تحب امرأةً كما أحببت خديجة، عندما مرضت تألمت لألمها، لم تخجل أن تعبر لها عن ذلك: «بالكره مني ما يجري لكِ يا خديجة»، وفي مرة وقد تجاوزت الستين زارتك نسوة مسنات فأجلستهن على ردائك، استغرب أصحابك، تبسمت - عليك أفضل الصلاة - لتزيل الفضول: «هؤلاء صويحبات خديجة».
حب ووفاء لا تمحوه الأيام!
أحببتَ سيدتنا عائشة حبًّا جمًّا، هي البكر الوحيدة بين زوجاتك، وطلبت أن تكون عندها في مرضك الأخير، وصعدت روحك الطاهرة وأنت في حضنها، تقول عائشة: ما غِرت من امرأة كما غِرت من خديجة، وقد ماتت قبل أن يتزوجني رسول الله بثلاث سنوات، وكنت دائمًا أسمعه يذكرها، وكان يذبح الشاه فيهدي لصديقاتها، ومن شدة غيرتها واجهت الرسول - صلى الله عليه وسلم - مرة فخاطبته قائلةً: كأن لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة، أما زلت تذكرها وقد أبدلك الله خيرًا منها؟ رددت عليها: «والله ما أبدلني الله في حبها؛ آمنَت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذّبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، وكان منها الولد».
هي عاطفة جياشة، وحب كحب الأساطير.
ورد في كتب السيرة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال لعمه العباس: ألا تعجب من حب مغيثٍ لبريرة، ومن بغض بريرة مغيثًا، وفي هذه القصة العِبر الكثيرة، كانت بريرة مملوكة وكان لها زوجٌ اسمه مغيثٌ، كاتبت مالكها لتحريرها مقابل مبلغ مالي، ثم جاءت السيدة عائشة تطلب مساعدتها بتأمين هذا المبلغ، وكان معروفًا كرم أُمِّنا عائشة التي لم تَصُد أحدًا، فحصلت على حريتها، فقررت مفارقة زوجها، فهذا حق يعطيه الشرع للأَمَة إذا أصبحت حُرّة، وحزن مغيثٌ حزنًا شديدًا وأصبح يلاحقها في الأسواق راجيًا أن تعود له، وبعد أن يئس، ذهب إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - يطلب مساعدته، فذهب رسول الله ، رئيس الدولة صاحب النسب بنفسه إلى بريرة، وقال لها: «لو راجعتِهِ»، فقالت له: أتأمر؟ فرد: «إنما أنا شافع»، فقالت: لا حاجة لي.
وبعد هذا، مَن يملك كل هذا الحب والإنسانية، فهل يصح أنه إرهابي وكاره للإنسانية كما يصوره البعض؟! بل دينه الذي بلغه هو دين محبة وسلام أقر الحب النظيف الذي يتوج بالزواج، فيا أيها الآباء لا تصدوا من ترضون دينه وخلقه إذا ارتضته ابنتكم أو ابنكم، ولا تغصبوا بناتكم أو أبناءكم على الزواج بمن لا يريدونهم، ورفقًا بأزواجكم، فلنا جميعًا أسوة حسنة برسول الله، صلى الله عليه وسلم .