ثمة ثلاث أو أربع «إمارات إسلامية» قامت فجأة، اثنتان اختفتا فجأة، فيما الرابعة أصابها تحول باستيلاء العسكر على مقودها وتحويل مسارها إلى وجهة تكاد تكون غير معلومة، أما الخامسة فهي برسم إعلان الوفاة تحت عنوان إنهاء الانقسام والمصالحة الوطنية!
إمارة أفغانستان الإسلامية تحت حكم طالبان لم تكد تظهر إلى العلن وتتمأسس حتى أفلَّ نجمها بفعل فاعل، فقد اجتاحتها قوات معولمة بحماس منقطع النظير، ضمت ألوانا وأشتاتا من جنود دول غربية تزعمتهم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا..
إمارة الصومال الإسلامية كانت أقل حظا، فما أن بسطت «المحاكم الإسلامية» سلطتها على الغالبية الساحقة من أرض الصومال، حتى تحرك الجيش الأثيوبي (النصراني أو الصليبي وفق التعبير الرسمي للمحاكم) لاجتياح البلاد والعباد، وإبعاد مشايخ المحاكم عن السلطة وتشتيتهم في المنافي، ولم يكن خافيا على أحد أن المارينز الذين ذاقوا الذل في الصومال، كانوا يقبعون في خلفية المشهد، بل إنهم لم يصبروا كثيرا فخرقوا الصورة ودخلوا سويداءها، وشنوا هجمات جوية على من سموهم «فلول» المحاكم، باعتبارهم من تنظيم القاعدة، رغم أن أنباء الصومال قالت في حينه إن الغارات أصابت أطفالا ونساء ورجالا مدنيين لا شأن لهم بالقاعدة ولا ما يحزنون، وهذه صورة مألوفة لبطولات الطائرات بلا طيار التي تقصف بيوت الآمنين من المدنيين بين الفينة والأخرى بزعم أنها ملجأ لرجال القاعدة في أفغانستان واليمن!
الإمارة الثالثة كانت إمارة العراق الإسلامية، وبقيت رغم مرور السنين في طور التشكل، وكثير من المراقبين لا يأخذون القصة كلها على محمل الجد، فهم يرونها فيها مزحة ثقيلة الدم، وما لبثت أن مدت «نفوذها» و»حدودها» إلى الشام، فأصبحت داعش!
أما الإمارة الرابعة التي استولى العسكر على غرفة القيادة فيها وأقصوا ملهمها، فهي «إمارة السودان الإسلامية» التي لولا «الانقلاب» على شيخها حسن الترابي، لأصابها ربما ما أصاب الإمارتين الأولتين، وها هي إمارة غزة تلحق بغيرها، بعد أن تحولت المصالحة الوطنية مسارا إجباريا لأهلها وبأي ثمن!
كل «الإمارات» آنفة الذكر ارتبطت على الأغلب بتنظيم القاعدة، وإن كان ذلك بنسب مختلفة، وكلها إمارات سُنِّية مناهضة للفكر الشيعي، وكلها تقريبا لم تبلغ مرحلة «التمكين» الحقيقي، وكلها تعرضت لغزو أمريكي بشكل رئيس، سواء لعب الأمريكان دور المحرك أم المنظم أم المنفذ المباشر..
ثمة إمارة «إسلامية» أفلتت من يدي أمريكا وعمرت وتحولت إلى دولة كاملة الأوصاف، تلعب في المنطقة دورا إقليميا مؤثرا، ينافس دور إسرائيل وتركيا، ويبعث رعدة ورعشة في أجساد كثير من العرب والعجم أيضا، ويكاد يكون الشريك المحتمل لأمريكا في المنطقة، إن لم يكن أصبح كذلك فعلا، وها هو على تخوم امتلاك سلاح دمار شامل، إن لم يكن قد فعل، هذه الإمارة تختلف عن بقية الإمارات الإسلامية بأنها شيعية ووفق مذهب معين (الاثني عشري) بنص الدستور، وأفلتت من بين أيدي النظام الدولي كله، وصنفت دولة مارقة، ولكنها بقيت وتمددت، وامتدت أيديها للإقليم كله، فأثرت وعبثت وبنت تحالفات، وصنعت تنظيمات ومليشيات، وكادت لولا قصة إعدام صدام وما تلا ذلك من فتن شيعية-سنية أن تفتن الناس بالمذهب الشيعي، في بلاد يكاد يسبح السنة في مياهها منفردين!
لماذا بادت الإمارات السنية قبل أن تسود، فيما أفلتت الإمارة الشيعية من يدي المتربصين؟ هل هي «شطارة» أم «تواطؤ» أم أن الشيعة حسبوها صح؟ هل كان ثمة «تساهل» حيالها، فيما سحقت الإمارات السنية بلا رحمة؟ هل تركت الإمارة الشيعية تنمو وتتمدد لمناجزة بلاد سنية اعتبرت مسؤولة على نحو أو آخر عن أحداث 11 سبتمبر وما تلاها؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه إمكانات وقدرات مادية توافرت لها، ولم تتوافر لغيرها من أخواتها السنيات، فكانت من الهشاشة بحيث يذهب ريحها مع أول «نفخة»؟ أم أن لدى السنة مفهوما مغلوطا عن اشتراطات قيام الدولة، أدرها إخوتهم الشيعة فتمكنوا من بناء دولة على بنيان ثابت؟؟
أسئلة نتركها للباحثين وفرسان العصف الذهني!