أعلنت "حماس" ووفد (م.ت.ف) من غزة، عن التوصل لاتفاق، يمكن تسميته باتفاق إطار، لتنفيذ ما سبق وأن تمت الموافقة عليه في القاهرة والدوحة. ما تم إعلانه من طي صفحة الانشقاق الجيو-سياسي، والشروع في تنفيذ بنود الاتفاق، أثار في الشارع الفلسطيني، تفاؤلاً حذراً، وكانت الفرحة، مشوبة بشيء من التخوف. هذا التخوف الحذر، جاء مستنداً على تواريخ وذكريات شعبية كثيرة، تعلقت بالاتفاق وطي صفحة الخلاف الداخلي، وهي بالطبع تخوفات مشروعة ولها ما يبررها عملياً.
ما تم الإعلان عنه في غزة هذه المرة، يأتي عبر ظروف دقيقة وحساسة وخطرة في آن. الوضع الفلسطيني برمته في خطر محدق، وعلى المستويات كافة، والجميع دون استثناء له مصلحة وطنية عليا في التواؤم والتلاقي، وطي صفحة الماضي، مع كل ما حمله من ويلات وحصارات وصعوبات وحروب داخلية وخارجية، على حد سواء.
الطرفان الرئيسيان في المعادلة السياسية الفلسطينية القائمة، "حماس" و"فتح"، باتا يدركان بما لا يدع مجالاً للشك، بأن إدارة الدفة الفلسطينية، هو أمر محُال، دون توافق ثنائي، وشراكة كاملة، مسؤولة وقادرة على إدارة هذه الدفة.
المقاومة المسلحة وحدها، غير قادرة على إنجاز المشروع الوطني الفلسطيني في إقامة الدولة، ذات السيادة الكاملة وعاصمتها القدس. ولا المفاوضات وحدها، قادرة على إنجاز هذا المشروع. بالطبع، لا يكفي هذا الإدراك الذي بات محسوساً ومُعاشاً ميدانيا، على إنجاز المصالحة الوطنية بمضامينها الشراكية، ولو توافر الإطار العام لذلك، وهو ما تم إعلانه بوضوح من الطرفين الرئيسيين، فتح وحماس.
ما تم إعلانه من إطار، هو رافعة أساسية للبدء والشروع، جدياً في مسار المصالحة الطويل، والوصول إلى إطار عمل سياسي - تنظيمي مشترك، في ظل الخلاف البرنامجي والسياسي، ما بين حماس وم.ت.ف. الخلاف هنا، لا يفسد المصالحة، ولا مسار المصالحة، التي يمكن ان تصل الى برنامج تلاق مشترك، حول نقاط أساسية ومركزية في آن.
المسار هنا، سيشمل مراجعات عميقة، تطال الرؤى السياسية والتنظيمية ومرجعياتها، ومن الأساس والجذور.
برنامج م.ت.ف، هو برنامج مستمد من تجارب ماضية، منذ تأسيس المنظمة وانبثاقها في العام 1964، وحتى يومنا هذا، عبر مخاضات صعبة، وخيارات شتى وتطورات إستراتيجية جاءت عبر صراع إرادات قوى وطنية فلسطينية تختلف في البرامج والتوجهات. برنامج حماس والجهاد أساساً، هو برنامج يستمد جذوره من حركة الإخوان المسلمين، وهم جزء من النسيج السياسي - الاقتصادي - الاجتماعي الفلسطيني، ولا خلاف في ذلك.
هنالك مسارات مختلفة وبرامج مختلف، في ظل إطار وطني فلسطيني، له محدداته ومساراته.
المسار سيشمل مراجعة بنية م. ت. ف من أساسها والعمل على تجاوز الإنابة الثورية بشكلها السابق، والعمل على تشكيل الكل الفلسطيني، بما يتجاوز بنية م.ت.ف ما قبل ١٩٩٤، كما سيشمل بالضرورة مراقبة البرنامج السياسي الفلسطيني برمته.
المسار يتطلب جهوداً مضنية، ومن الأطراف كافة، بعيداً عن النزق، ومحاولة الوصول لنتائج كبرى، خلال زمن قصير…..