أخر الأخبار
الثلث المنتخب والحركة الوطنية
الثلث المنتخب والحركة الوطنية

عمليّاً ثلث الذين يحق لهم التصويت من الأردنيين لاختيار مجلس النواب التاسع عشر، هم الذين مارسوا حقهم، وأتوا إلينا بمجلس جديد سيكون بوابة العبور للمئوية الجديدة، وهو الذي يعكس تحولات الدولة ومجتمع السياسة فيها، وأداور الحركة الوطنية في الحياة السياسية التي كانت المؤسسة التشريعية الجهة الحامية لها منذ بدء التجربة البرلمانية عام 1929.
عملياً، لم يصوت ثلثا الناخبين، وتركزت النسبة الأعلى في التصويت بالأطراف ذات البنية العشائرية التشكيل، لتقدم لنا هذه النسب مسألة الهوية وضرورة دراستها في عملية الانتخاب، وكما انها تطرح كيفية تحرك الأردنيين سياسياً، وهي نسبة تظل قليلة، وفي تراجع مستمر في كل انتخابات؛ ما يعكس حالة الملل وعدم الرهان على العملية الانتخابية لكي تأتي بجديد، وهو امر مقلق ان لا ينتخب نحو 70% من الذين يحق لهم التصويت.
والسؤال هو: هل انسحب المواطن في شقه السياسي، عن الخيارات السياسية للدولة؟ في الإجابة عن ذلك نقول: لعلّ أبرز مؤشرات التحول الديمقراطي بعد ثلاثين عاما من العودة للحياة السياسية، هو أنه في كل مرة ينتخب الناس يزداد التراجع في نوعية الخيارات، وكلما تقدمت الدولة بالحفاظ على ديمومة الانتخابات تراجعت الخيارات السياسية للناس، وبرزت الهويات الفرعية على مستوى المنطقة والحي والقبيلة والفخذ، وتراجعت فرص تقدم الاحزاب أو حتى تراجعت فرص بقاء النواب المناكفين للحكومات أو الذين يعارضون السياسات العامة.
للأسف يتم تصعيد خطاب التمثيل الجهوي، في كل مرة، وتنتصر القبلية والمناطقية حتى داخل المدن، وتظلّ الهوية نتاج حراك تاريخي يختزل مجموعة من المؤثرات الجغرافية والثقافية والسياسية، وقد تتأثر برهان الصراعات الاجتماعية، فتأخذ مدىً واسعاً من الزمن لترتكز في حالة مستقرة، وقد تظل متحركة قابلة للتغيير أو عرضة له بحسب طبيعة تشكلها، وهي في حالة الانتخابات يجري نفخها كما البالون، وبشكل مؤقت ليتم الإفادة من العصبية المحلية لتشكل رافعة للمرشحين وتسهم في وصولهم للعبدلي.
نعم اسقطت الانتخابات الأخيرة، بعدم ذهاب الكل الوطني للانتخاب فرصة وصول ذوي الكفاءة، وللأسف ربما لا تكون السير الجديدة الواصلة للبرلمان قادرة على تحقيق الجديد، بعدما تم اضعاف الثقة بمؤسسة مجلس النواب. هناك مائة نائب جديد من أصل 130 نائبا، وهناك 16% من المترشحين على أساس حزبي وصلوا للبرلمان، وهي نسبة قليلة من المجموع العام، في وقت تردد الحكومات دوماً بأن قانون الانتخاب الحالي صديق للأحزاب لكن عن أي أحزاب نتحدث؟.
لقد كانت المؤسسة التشريعية حين بدأت عام 1929 مع تجربة المجالس التشريعية، نتيجة لمطالب الحركة الوطنية، وقد تطورت بعد الاستقلال، واستمرت تقدم الطرح الوطني وتعاند الحكومات، لكنها باتت اليوم أكثر ضعفا في التأثير على سياسات وقرارات الحكومات، وهو أمر لا ينسجم وادوارها الوطنية التاريخية التي يستحقها الوطن.