أنقرة-الكاشف نيوز:منذ سنتين على الأقل، برّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التدخّلات المُتكرّرة للبحرية التركية في المياه الإقليمية اليونانية والقبرصية، من منطلق نظرية "الوطن الأزرق".
لكن هذا المفهوم الذي ينصّ على توسيع السيادة البحرية التركية في البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط ليس مرتبطاً بالرئيس التركي أو حتى بحاشيته، بل بالأدميرال جيم غوردينيز واضع النظرية في 2006. فمن هو غوردينيز؟
الأدميرال التركي جيم غوردينيز، يبلغ من العمر 62 عاماً، جندي متقاعد، وهو مؤسس عقيدة "الوطن الأزرق"، لكنه يحرص على إبعاد نفسه عنها. أمضى ثلاث سنوات في السجن من 2011 إلى 2014، حين كان أردوغان في السلطة.
في مقابلة مع مجلة "لوبوان" الفرنسية، قال: "أنا لست على صلة وثيقة أو عن بعد بالحكومة التركية، وليس خطئي إذا استخدمت نظريتي".
ما هي نظرية "الوطن الأزرق"؟
تهدف نظرية "الوطن الأزرق" إلى تطوير مصالح تركيا في البحر الأبيض المتوسط، وهو سؤال يتجاوز الإعتبارات الحكومية والحزبية في تركيا.
ويستخدم غوردينيز، الرئيس السابق للتخطيط في القوات البحرية التركية، خرائط الجغرافيا السياسية لتوضيح كل نقطة لديه. "لا يوجد لدينا مشكلة في البحر الأسود، حيث قمنا بالفعل بترسيم حدود منطقتنا البحرية مع روسيا. في المقابل، نجد أنفسنا مُحاصرين في البحر الأبيض المتوسط".
ويقول غاضباً إن "تركيا التي يبلغ عدد سكانها 83 مليون نسمة، وبحدود تصل إلى أكثر من 1600 كيلومتر من الخط الساحلي، تُدرك أنها لم تُمنح سوى الحد الأدنى من الجرف القاري تحت الماء. وهذا غير مقبول. نحن لا نُريد مهاجمة أي شخص ولكننا ببساطة نُدافع عن جرفنا القاري ونمنع تنفيذ خريطة إشبيليا".
الجرف القاري
تمنح اتفاقية قانون البحار لعام 1982 لكل دولة لديها مياه إقليمية ما يصل إلى 12 ميلاً بحرياً (22.2 كم) من ساحلها. وبالإضافة إلى ذلك، تمتلك كل دولة منطقة اقتصادية خالصة في حدود 200 ميل (370 كم) من ساحلها. ويُمكن للمنطقة الإقتصادية الخالصة أن تمتدّ حتى 350 ميلاً (650 كيلومتراً)، إذا تمكّنت الدولة من إثبات أن جرفها القاري، وهو استمرار للقارة تحت المحيط، يتجاوز 200 ميل.
"مع ذلك، لم تُوقّع تركيا على اتفاقية 1982، فهي ترفض ترسيم حدود مياهها مع قبرص واليونان على النحو المُحدّد في قانون البحار"، تقول الصحيفة.
معاهدة لوزان
وتنقل "لوبوان" عن المؤرخ بيير رازو، المدير الأكاديمي لمؤسسة البحر الأبيض المتوسط للدراسات الإستراتيجية، قوله إنه "لا يُمكنك إعادة كتابة التاريخ. غادرت القوات اليونانية تركيا في عام 1922، واستعادت في المُقابل جميع جزر بحر إيجه، لذلك ظلّ هذا البحر بحيرة يونانية وأوروبية بالتبعية، وفق معاهدة لوزان في 1923، والتي تُحاول تركيا التشكيك فيها اليوم".
في المقابل، يشرح مُنظَّر "الوطن الأزرق" أن "تطبيق قانون البحار يعتمد على اتفاق الطرفين، ولا يُمكن أن يتعارض مع مصالح الدول. وفي حال وجود نزاع بين البلدين، يدعو القانون الدولي الأطراف المختلفة للاتفاق على اتفاقيات ثنائية".
ومنذ 1936، اتفقت أثينا وأنقرة على تحديد 6 أميال بحرية لمياههما الإقليمية، ما يسمح لتركيا بمواصلة الإبحار في بحر إيجه. ومن ناحية أخرى، لا يزال البلدان غير مقتنعين بمنطقتهما الإقتصادية الخالصة.
ويشرح غوردينيز أنه "في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أهمل حزب العدالة والتنمية، حزب أردوغان، هذه الأهداف الجيوسياسية، لأنهم كانوا مهووسين بانضمام تركيا إلى الإتحاد الأوروبي". لكن العقد التالي، شهد "نهاية آمال تركيا في الإنضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وفي المقابل زاد أردوغان من القمع داخل البلاد"، وفق التقرير.
محاولة انقلاب
في 2011، أُلقي القبض على غوردينيز مع مئات من كبار ضباط الجيش التركي بتهمة التحريض على محاولة انقلاب عسكري. وفي 2014، أُطلق سراح الجندي، وتمّت تبرئته في العام التالي، بعدما أمضى ثلاث سنوات خلف القضبان.
في 2016، تعرّض أردوغان لمحاولة إنقلاب حقيقية، بتحريض من حليفه السابق فتح الله غولن، الذي أفلت منه بأعجوبة. وبعد تحرّره من الضغط الغربي، "يشعر سيد أنقرة بالحرية في دفع مصلحته إلى ما وراء حدوده"، تقول الصحيفة.
الأهداف الجيوسياسية
وتؤكد الصحيفة أنّ "تركيا لا تعترف بحقّ قبرص والجزر اليونانية في منطقة اقتصادية خالصة، وتقوم بنشر سفن استكشاف الغاز الخاصّة بها في مياههما ولا تتردّد في إرسال سفنها الحربية إلى المنطقة. ولتبرير أفعالها، تتظاهر أنقرة بغياب اتفاق لترسيم حدود مناطقها البحرية مع أثينا ونيقوسيا، كما أنها تُعزّز الدفاع عن حقوق الجالية التركية في قبرص".
استراتيجية الفوضى
في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، وقّعت تركيا مع حكومة "الوفاق" الليبية على وثيقة حول الإستغلال المُشترك للمنطقة الإقتصادية الخالصة مع ليبيا. وكانت المناورة مثيرة للدهشة لأنها تعتمد هذه المرة على اتفاقية قانون البحار التي لم تُوقّعها أنقرة.
ووفقاً للتقرير "تُزعج إستراتيجية الفوضى التركية كلاً من نيقوسيا وأثينا، وتُوضح عجز الإتحاد الأوروبي على الرغم من انتهاكات أنقرة لسيادته".
تقسيم إيجه
لكن غورديميز "يحمل خريطة أخرى حول مفهوم الوطن الأزرق، حيث يقترح تقسيم بحر إيجه إلى منطقتين اقتصاديتين حصريتين متساويتين، تكون حدودهما متساوية البعد عن اليونان وتركيا، وهو أمر غير مقبول من قبل أثينا".
ووفقاً للأدميرال السابق، فإن قضية الغاز "لن تكون سوى ذريعة لمُعالجة قضية جيوسياسية أوسع بكثير، وهي مكانة تركيا في شرق البحر المتوسط".