أخر الأخبار
عندما تقتلنا الكورونا «أحياء»
عندما تقتلنا الكورونا «أحياء»

ليس جديدا ان نقول كذلك، وليس خارج السياق ان نتحدث بتلك اللغة، وليس من نافل القول ان نتعاطى مع هذا الوباء بأنه الموت، ليس الموت الفعلي الذي يغيبنا عن الحياة، لكن الموت الاجتماعي والنفسي والانساني، الذي يزج بنا الى هاوية الرعب.. نعم قتلنا الكورونا ليس جسدا بل روحا وعقلا.

اقتلعنا من أرواحنا، وفقدنا حتى صورة ملامحنا، فالكمامة أبعدتنا عن أنفسنا وعن صورتنا الفعلية، فلم نعد نعرف بعضنا بينما نلتحف خلف كماماتنا، وبينما نتسوق ونشتري احتياجاتنا بتنا لا نعلم من بجانبنا اختا كانت ام اخا ام صديقا وقريبا، لكنه كائن حي يرتدي الكمامة، الوقائية من وحش قد يداهمنا في اية لحظة، رغم كل الاجراءات الوقائية، لكن يبقى القلب غضا ضعيفا، أمام اية معلومة قد تقول لك أن احدهم مصاب بهذا اللعين.

قتلتنا احياء نعم هذه الكورونا لا يهم « الجندر « الذي تحمله فهي ان كانت او كان، فتكت بنا جميعا وأطاحت بالرزق والقوت والوجه وملامحه، والروح وما في داخلها، والعلاقات الاجتماعية، فلم نعد نعي هل نقوم بواجب العزاء هكذا بلا روح او سلام، أو حضن لصديقة او رفيقة اوزميلة لنمنحها حضنا دافئا ونقول لها اننا معها، ام سلام باهت لقريب يبلغنا بموقف صعب، فأصبحنا نكتفي بالهاتف قولا، أو « المسج « تواصلا، او حتى رسالة عبر أي من مواقع التواصل الاجتماعي، لنقول على رسل دموعك يا تلك، فنحن بعيدون.

نعم نحن بعيدون عن كل شيئ فيه روح، فلم نعد نقبل يد أمي وجبينها ووجنتيها لنقول لها اشتقنالك يا ست الحبايب،لأننا أصبحنا نخاف عليها منا، من اختلاطنا مع الشارع، من وباء ساكت وساكن قد نحمله بين جوارحنا، وننقله لك يا « ست الكل « دون قصد فنكتفي بالقاء التحية عن بعد أمتار ان استطعنا، ونتواصل مع كمامة بالية، حتى لا ينتقل هذا اللعين عبر هواء طلق، حتى لا نندم حيث لا ينفع الندم.

 ولم نعد نطبع قبلة ود لأخت من أم وأب وضحكات تأتي من القلب وسط « جمعة « قريبة او صديقة « تحت أي مسمى كان، نتبادل النكات ونتواصل بالايدي والاجساد حبا ودفئا وصداقة.

نعم قتلنا ببطئ ونحن نرقب أيام وساعات الحظر الشامل، نتحسب ان حدث طارئ او حاجة انسانية، ونحن داخل حظر محتم لا نملك فيه حولا ولا قوة، بتنا نخاف ان نخسر اناس نحبهم ابان الحظر، او طوارئ مستشفى اضطرها أحدهم ونحن جليسو البيت نمسك الهاتف اطمئنانا وقهرا وألما.

بتنا نخاف المرض العادي او وقوع ابنائنا او حرارة اجساد قد يداهمهم فيروس رشح او انفلونزا حتى لا نلجأ الى طبيب او مستشفى، خوفا من العدوى.

يا الهي كم قتلتنا الكورونا أحياء حولت أجسادنا الى جثث هامدة أصبحت تتلقف الحياة وتبحث عنها بالازقة، فمدارسنا وجامعاتنا التي ما زالت خلف الشاشات قتلتنا وأولادنا، واجتماعيات الحياة في أي مجلس تحولت لتكون « زووما « هي ايضا ابعدتنا عن التفاصيل وسبل الحياة وحولت كل شيئ الى عناوين فارغة باهتة، لا نمتلك فيها روحا، حولتنا من منتجين الى أوراق وشاشات، واون لاين أصم بلا روح لا يفقه الا «كبسة بلاستيكية «.

كل شيئ غاب مع الكورونا، لا تاريخ ولا يوم  واضح ولا علاقات دافئة ولا صلات رحم الا من رحم ربي عبر التواصل الاجتماعي.. نعم قتلتنا احياء «حكاية» بالية، اسمها الكورونا، أصبحت عنوانا لكل أصول حكاياتنا.

 أفلا نتعظ يا سادتي.