آخر انتخابات فعلية جرت في سوريا منذ إنقلاب حسني الزعيم في العام 1949 هي إنتخابات 1955 التي أُختير بموجب نتائجها شكري القوتلي رئيساً للبلاد مرة ثانية حيث كانت المرة وبإنتخابات ،في معايير ذلك الوقت، حرة وديموقراطية فبعد ذلك دخل هذا البلد العربي العظيم دوامة إنقلابات عسكرية سحقته سحقاً ودوامة «إفتراءات» إنتخابية أوصلته بالنتيجة إلى هذه الحالة المؤلمة التي لا يعرف سوى الله إلى أين ستأخذه وكم من السنوات ستستمر.
كان أسوأ ما في وحدة عام 1958 المصرية-السورية ،التي إنتهت بإنقلاب ما سُمُّوا بـ»الإنفصاليين» في 28 أيلول عام 1961، أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قد أصرَّ على أن منع الأحزاب السياسية في «الإقليم الشمالي» تحديداً يعتبر شرطاً رئيسياً لموافقته على هذه الوحدة وحقيقة أن هذا ما ورثه «البعثيون» بعد إنقلاب عام 1963 وبقوا مستمرين به إلى الآن اللهم بإستثناء بعض التنظيمات الشكلية ،التي إنضوت في ما يسمى الجبهة الوطنية، التي استخدمت كمجرد واجهات ديكورية للحزب الحاكم.
ولعل ما تجب الإشارة إليه ونحن بصدد الحديث عن هذا الأمر لمناسبة ترشيح بشار الأسد نفسه لموقع الرئاسة لمرة ثالثة أن ما بقي يحكم سوريا منذ عام 1963 وحتى عام 1970 هو لجنة عسكرية سرية تشكلت ،عندما أُبعد الضباط البعثيون إلى القاهرة بعد وحدة عام 1958، من خمسة ضباط ثلاثة منهم من الطائفة العلوية هم :محمد عمران الذي تم إغتياله في طرابلس اللبنانية في بدايات سبعينات القرن الماضي وصلاح جديد الذي توفي عملياً في سجن المزة العسكري في التاسع عشر من آب عام 1993 بعد ثلاث وعشرين عاماً قضاها في هذا السجن والثالث هو حافظ الأسد الذي قام بإنقلابه العسكري على رفاق الأمس في عام 1970.
أما الرابع في هذه اللجنة فهما عبد الكريم الجندي ،الذي كان من أشد المناهضين لـ»حافظ الأسد» والذي قيلت حول مقتله روايات متضاربة كثيرة بعضها قال أنه إنتحار في حين أن بعضها الآخر قال بل إنه إغتيال نفذته الإستخبارات العسكرية التي لعبت دوراً رئيسياً في إنقلاب عام 1970 الآنف الذكر،.. وأما الخامس فهو أحمد المير الذي كان قائد جبهة الجولان العسكرية عندما احتل الإسرائيليون «الهضبة السورية» في عام 1967 طواه النسيان بعد تلك الهزيمة المنكرة ولم يلعب بعد ذلك أي دورٍ في المتغيرات اللاحقة.
أمس وبعد ولايتين أوصلتا «القطر العربي السوري» إلى هذه الأوضاع المأساوية التي غير معروف متى وكيف ستنتهي أعلن بشار الأسد ترشيح نفسه لولاية ثالثة.. وهو بالطبع سينجح وسيفوز فوزاً عظيماً طالما ان حكومته الرشيدة قد أعلنت عن أنها ستقف على مسافة واحدة من المترشحين السبعة الذين هم بالإضافة إلى الرئيس الناجح منذ العام 2000 لأن الإنتخابات ستكون حرة وديموقراطية، من الأسماء التالية المعروفة سورياً وعربياً وعالمياً :ماهر عبد الحفيظ الحجار وحسان عبد الله النوري وسوسن الحداد ومحمد فراس ياسين رجوح وعبد السلام يوسف سلامة وسمير أحمد معلا.
والحقيقة الموجعة للقلب أن سوريا لم تعرف منذ إستقلالها في عام 1946 إلاَّ رئيساً منتخباً واحداً هو شكري القوتلي أما باقي ما تبقى فإنه إما إفرازات إنقلابات عسكرية تلاحقت منذ عام 1949 وحتى الحركة التصحيحية في عام 1970 وإماَّ انه توريث و :»على عينك يا تاجر» ولهذا فإنه لا حاجة لهذه الإنتخابات التي وعدت حكومة رئيس الوزراء ،الذي «بشق الأنفس» تعرفه خالاته وعماته، بأنها ستقف من المترشحين السبعة على مسافة واحدة والتي غير معروف بأي حارة من حارات دمشق ستجري والتي في حقيقة الأمر أن المرشح «الفائز» ليس بحاجة لها طالما أنه فاز في ولايتيه السابقتين بدونها وطالما أن والده الذي رفع أنصاره شعار :»إلى الأبد يا أسد» حكم ثلاثين عاماً بمجرد وضع صندوقين أحدهما أبيض والآخر أسود.. وبالطبع فإن الصندوق الأبيض هو الذي بقي يفوز بإستمرار حتى وإنْ لم يكن هناك ناخبون.. ولا هُمْ يحزنون!!.