قبل أن نسأل: ماذا فعل بنا «كورونا» يجب أن نواجه أنفسنا ونصارحها بسؤال أهم، وهو : ماذا فعلنا بأنفسنا حتى تمكن «كورونا» من الانتصار علينا بهذا الشكل، أين أصبنا وأين أخطأنا؟ أهمية الإجابة على السؤال لا تتعلق بمعرفة ما حدث، ومن المسؤول عنه فقط، وإنما سيساعدنا في الاعتبار مما حدث، ويعيدنا لنقف على قدمينا بصورة أكثر صلابة، لنتمكن من إعادة جاهزيتنا لمواجهة الوباء إلى سكتها الصحيحة.
جردة حسابات ما فعله بنا كورونا أصبحت لا تخفى على احد، يكفي أن ندقق في إعلانات النعي اليومية التي يزف فيها الأحياء أحبتهم الموتى إلى المقابر، أو أن نطالع إحصائيات الفقر والبطالة، أو أن نحدق في وجوه الناس الذين أصابهم الفزع وأرهقت نفسياتهم أخبار الوباء التي لا تتوقف، لكن يبقى أن ندقق فيما فعلناه منذ شهر آذار الماضي من هذا العام، سنكتشف أننا نجحنا في البداية ثم فجأة داهمنا الطوفان، وكأننا لم نكن نضع لفيضانه أي حساب، أو اعتبار.
لا أتحدث هنا فقط عن التقصير في الاستعدادات الطبية والتجهيزات اللازمة على مستوى المجال الصحي، ولا عن سباقات «الشو» الإعلامي التي استغرق فيها بعض المسؤولين حتى أن احدهم بشرنا بأنه في غضون أسابيع «سيجف ويموت»، وإنما عن الارتباك العام وعدم تقدير الموقف بالشكل الصحيح منذ البداية، فبينما كان العالم كله يقدم لنا تجاربه في التعامل مع امتداد الوباء وانتشاره كنا نظن أن بلدنا استثناء من ذلك، وان إجراءاتنا كافية للتعامل مع عشرة أو ثلاثين إصابة، وكنا نعتبر وصولنا إلى هذا العدد اليومي أمرا خطيرا يستوجب «الاستنفار» وإعلان حالة الطوارئ، لنكتشف لاحقا أن الإصابات اليومية وصلت إلى حدود 6500 إصابة والوفيات بمعدل 80 يوميا.
لا يمكن لأحد أن يجادل في عدم قدرة أية دولة في العالم على « الهروب» من الجائحة أو تلافي وصولها وامتدادها، هذا غير ممكن إطلاقا، لكن كان يمكن لبلد مثل بلدنا بدأ مبكرا بإعلان الحظر ودفع اقتصاده ثمنا كبيرا من اجل الحفاظ على سلامة الناس وصحتهم أن « يتحوط» من انتشاره بهذا الشكل، وان يتحوط أكثر وأكثر في مواجهته إذا ما انتشر بهذه الصورة، كان يمكن أيضا لمجتمع مثل مجتمعنا أن يأخذ الأمر على محمل الجد، وان يتسلح بما لديه من وعي وفهم لمواجهة الخطر، لكن ما جرى - للأسف - كان اقل مما يجب، فمع تراخي المسؤول عن وضع ما يلزم من خطط ومقاربات واتخاذ ما يفترض من إجراءات، ناهيك عن الاستعدادات للقادم المجهول، ومع تراخي المجتمع عن «الاعتراف بالكارثة» والتعامل معها بمنطق الحذر والحرص والانتباه، وقعنا جميعا في «المصيدة» ودفعنا الثمن.
الآن بعد أن «عمّ» البلاء وطمّ، وبعد أن عادت «خلية» الأزمة إلى عملها، لا بد أن نصارح أنفسنا، الحكومة والمجتمع معا، بأن مواجهة «كورونا» وتداعياتها القادمة ( وهي اخطر مما نتصور) تتطلب أن نتجاوز جميعا منطق الاستهتار والارتجالية، ومنطق التناول الإعلامي الذي «لا ظهرا أبقى ولا أرضا قطع»، ومنطق «الفهلوة» والشطارة، فأرواح أحبتنا وأعزائنا، وسلامة بلدنا تقتضي منا جميعا أن نتجرد من حسابات الأنانية والتغطية على الخطأ والتقصير، للخروج من «المحنة» بأقل الخسائر.