دائما تصطدم التحولات المُجتمعية في الأردن بظروف اقليمية تقلل من تفاعلاتها وارتداداتها على المشهد المحلي , إن كان على المسار السياسي او المسار الاقتصادي او الاجتماعي , فما ان دخل الاردن مرحلة التحول الديمقراطي وانتج اكثر تجربة برلمانية تحظى بالقبول والتأييد عام 1989 , حتى داهمتنا كارثة حرب الخليج الثانية واحتلال العراق لدولة الكويت فأنهمك الاردنيون في ملاحقة تداعيات الكارثة واستقبال التحولات الجديدة الناجمة عن وصول قرابة نصف مليون عائد , يحملون طبائع وانماطا استهلاكية وحتى ثقافية مختلفة عن المجتمع المحلي .
وتوالت الامور تِباعا في 1993 ومعاهدة “ السلام “ وقانون الصوت الواحد اللاحق لها وتداعيات الانتفاضة الثانية وسقوط بغداد وما تلاها من ربيع عربي وهجرات متصلة ومتواصلة بحيث لم يستكمل المجتمع الاردني عِقدا واحدا دون مؤثرات خارجية تعصف بالبناء المجتمعي وتمنع تطوره بشكل متواتر وطبيعي , فتسارعت ايقاعات المجتمع بشكل لا تحتمله عضلات المجتمع ولياقته الاجتماعية .
وكانت اكثر الكوارث ايلاما للمجتمع طفرة 2003 التي رفعت اسعار الاراضي وفتحت سوق العقار والخدمات على مصراعيه , فتوسعت القطاعات الخدمية وبات شبر الارض يرتفع في الطريق الى دائرة الاراضي مرتين واكثر وانشغل الاردنيون في الطفرة واغفلوا المهنة والتعليم العالي والمدرسي وباتوا جميعا تجارا ووسطاء , يبحثون عن الربح السريع في البورصات الوهمية وما تيسر من ادوات الوساطة دون التفات لصدقيتها او عدمها , فجاءت ازمة العقار الكونية لتكشف عن مدى الاختلال في الصحة الاقتصادية وضعف مقاومة الجسد الاردني لاي هزة اقتصادية او اجتماعية .
استجاب الاردنيون للعلاجات السريعة والمُرة لرفع مقاومة الجسد الوطني للعاصفة الاقتصادية , ونجحت الحكومة في وقتها بتحرير اسعار الطاقة ورفع الدعم عن سلع كثيرة والتفتت الى التشغيل والتدريب الوطنيين , ودخل الشباب الى المعترك التدريبي وتخلّوا عن ثقافة العيب , فكل المطاعم والفنادق ومحطات البترول شهدت اقبالا اردنيا واسعا , ونجحت وزارة العمل نسبيا في حث القطاع الخاص على الشراكة وتشغيل الاردنيين .
فجاءت ازمة العمالة السورية لتقف عائقا امام جيل من الشباب كسر ثقافة العيب وقبل بالمهنة وراتبها الأولي المتواضع على وعد التطور , ونزع القطاع الخاص المتوسط او العائلي الى استخدام العمالة السورية الماهرة والقابلة بحد متواضع من الأجر قياسا بمهارتها وقياسا براتب العامل الاردني , فجنحت الدفة قليلا وعاد الشباب الى الانكسار مجددا , فالاجراءات الحكومية الضامنة للعمالة الاردنية ما زالت متأخرة عن مواكبة التطور الاجتماعي وعن قراءة اللحظة الشبابية المنفتحة على الحياة والعمل.
سنوات طويلة والحكومات المتعاقبة تشكو من ثقافة العيب وتشكو من حساسية الداخل الاردني لازمات الاقليم وتداعياته , ولكنها لم تكتب وصفة واحدة لرفع المقاومة الوطنية لهذه الحساسية , ولم تجتهد في تمتين التشريعات الاردنية لمواجهة الاقليم ونزعاته المجنونة احيانا والمباغتة كثيرا وبقي المشهد الوطني مفتوحا بإنتظار الاقليم كي يجيب على الاسئلة الوطنية في السياسة والاقتصاد والاجتماع .
ما زال الاردن يتعامل بردود الافعال على مجريات الاقليم وتاثيراته على الواقع المحلي , ولم ندخل في طور الاجراءات الوقائية المبنية على حسابات المصلحة الاردنية رغم شعار الاردن اولا , ولم تلجأ السلطات التنفيذية والتشريعية الى حفظ الحالة الداخلية ورفع مقاومتها لحساسية الخارج وتحسس الصدر الاردني من هواء الاقليم الممزوج بالبارود والهجرات وتضيع الفرصة تلو الفرصة .
الشباب الاردني تغير والعامل الاردني تغير ولكن لم تتغير اساليب التعاطي معه ولم تتغير الاجراءات الوقائية الضامنة لمصالحه والقابلة للبناء على حجم تغيره النوعي والايجابي وهذا هو الاختبار الحقيقي لكل التشريعات والاجراءات القادمة .