دأبت الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة على مطالبة الدول العربية بتعديل مناهجها الدراسية، لتغيير الفكر الجمعي العربي تجاهها، ومحاولة تغيير الصورة النمطية السائدة لدى الاجيال العربية، لكن هل تعاملت اسرائيل بالمثل في هذا السياق، بتغيير مناهجها ،أم انها اختارت البقاء رهينة لعقلية «القلعة والحصار» التي تنتهجها منذ قيامها على ارض فلسطين عام 1948.
بعد اتفاق اوسلو مع الفلسطينيين عام 1993، عدّلت السلطة الفلسطينية مناهجها نحو ثلاث مرات ، كما فعلت دول عربية اخرى ذلك، استجابة للاتفاقيات وللضغوط التي مورست عليها، لكن ما حصل عند الاسرائيليين العكس تماما، وكان التغيير يسير باتجاه تذكير الطلبة الاسرائيليين بالمحرقة وتخصيص ساعات اكثر لتدريس وقائعها ، ولم تتردد في زراعة فكرة ان «ارض اسرائيل لنا وليست لغيرنا» مع انكار وجود الشعب الفلسطيني وتثبيت الوجود اليهودي في الكتب والمناهج الاسرائيلية.
في عام 2010 عدلت اسرائيل احدى كتب التاريخ المدرسية التي تحدثت عن ثورة الفلسطينيين ضد الاحتلال البريطاني عام 1936، واصفة الفلسطينيين انهم قاموا بتهريب الاسلحة وقيامهم بعمليات ارهابية، كما لم تول المناهج الاسرائيلية قضية النكبة الفلسطينية عام 1948 اي اهتمام، وتطرقت اليها بصورة عابرة في صفحة واحدة غير مفهومة.
هذا ما يقوله الاكاديمي الفلسطيني جوني منصور خلال محاضرة قيمة نظمها مركز دراسات الرأي قبل ايام، ويضيف منصور، ان الكتب الاسرائيلية تتحدث عن المحجبات انهن متخلفات ومحافظات، وذلك في كتاب مدرسي صدر عام 2009 في اسرائيل في حين ان غير المحجبات يعشن في ظروف اكثر حداثة ،علما ان الطالبات اليهوديات المتدينات يرتدين الحجاب ولا ينتقدهن أحد.
قد تكون اسرائيل تستخدم هذه الورقة في محاولة لكسب تعاطف الغرب معها، ومحاولة ابقاء الصورة النمطية التي كانت سائدة، ان اسرائيل دولة ديمقراطية محاطة بالعرب من كل الاتجاهات ، وهم لا يكفون عن محاولاتهم التخلص منها وانهاء وجودها على ارض فلسطين التاريخية، لكن العالم الذي عايش الصراع العربي –الاسرائيلي على مدى نحو 60 عاما، اصبح مطلعا كفاية على الحقائق، ولا مجال للخديعة او التضليل لان الحقائق واضحة كالشمس، هناك احتلال هو الاطول في التاريخ الحديث، وهناك ارض محتلة، وشعب يسعى الى تحقيق حريته بوسائل سلمية.
في كتاب اسمه (كتاب القرن العشرين) الصادر عام 1998 ،في الصفحة 195، ورد نص «ان حرب عام 1948 حرب شرعية ضد محتلين للبلاد –اي الفلسطينيين- ومن خسر الحرب يتحمل تبعاتها ومن انتصر فهذا نصيب له»، هذا دليل على ان الوقائع التاريخية والتهجير الجماعي لمئات الالاف من الفلسطينيين من مدنهم وقراهم ،ما هي الا خرافات تزرع في عقول النشء الاسرائيلي ،بحسب المناهج الاسرائيلية.
ومن الشواهد ايضا، ما ورد في كتاب «رحلة الى الماضي» بالقول ان « اجتتاث العرب الذين بلغ عددهم نحو 600 الف من بيوتهم نتيجة مباشرة للحرب وليس ثمرة خطة اعدت سلفا، لكن ترحيلهم من اللد والرملة كان بتفويض من القيادة السياسية»، وهذا دليل اخر على ان الاعتراف بالفلسطينيين كشعب له حقوقه ،غير موجود اساسا في الفكر او الخطاب السياسي الاسرائيلي.
حتى في الخرائط الاسرائيلية واشكال السكن، يشار الى البلدات العربية الذي يسمى «الوسط غير اليهودي» في الداخل باللون الاحمر ، اما المستوطنات والتجمعات اليهودية فيشار اليها باللون الازرق، وتطلق اسرائيل على الفلسطينيين في المناهج بمسمى «بالستنايم» وهو اللفظ العبري، ولا يكتفى بذلك، ففي احد المناهج الدراسية الاسرائيلية، ورد قول ان «بعض العمال الاجانب الفلسطينيين ينحدرون من المناطق التي تخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية».
امام هذا كله، اذا كانت اسرائيل تطالب العرب ليل نهار بتعديل مناهجهم الدراسية، وقد تطال المطالبات دول عربية مثل موريتانيا او جيبوتي، وتعمل حاليا على اعداد تشريعات للتفرقة والفصل بين العرب المسلمين والعرب المسيحيين، في محاولة لتفكيك النسيج العربي في فلسطين، فلماذا لا تعمل جامعة الدول العربية على الزام اسرائيل بتغيير مناهجها لوقف انكار الوجود العربي في فلسطين والكف عن التحريض المستمر في المناهج والكتب الاسرائيلية ضد العرب.