احتفل الإعلاميون الأردنيون كما نظرائهم في كل العالم باليوم العالمي لحرية الصحافة. في هذه المناسبة كتبنا كثيرا عن تراجع مكانة الأردن في لائحة الترتيب العالمي لحرية الصحافة والذي يعود إلى إغلاق العديد من المواقع الإلكترونية والتضييق على حرية التعبير في وسائل التواصل الاجتماعي كما كان التفسير المتفق عليه.
في هذه المناسبة نقول بأنه من حق الإعلاميين دائما أن يطالبوا بالحد الأعلى من الحرية من أجل الإبداع وتنفيذ رسالتهم في نقل الحقيقة بدون تزييف ولا تقليل من شأن الأحداث. لكن المعادلة هي دائما من جزءين، ومقابل الحق هنالك المسؤولية وليس من المنطقي أن يتجاهل الإعلامي المسؤولية الأخلاقية الملقاة على عاتقه لتقديم الحقيقة فقط وأن يأخذ بعين الاعتبار التداعيات السلبية التي يمكن أن تنجم عن نقل معلومات غير مكتملة أو غير سليمة.
قبل التسرع في نشر معلومة غير مؤكدة أو مانشيت مثير بحثا عن الترويج والشعبية والمقابل المالي لا شيء يمنع الإعلامي من أن يجلس ولو لدقيقة مع ضميره ليرى إذا كان ما ينشره يمكن أن يكون مؤذيا للآخرين، وهذا ليس ضعفا ولا تراجعا بل هو قيمة المسؤولية الأخلاقية. في الأيام الماضية واجهنا هذه الحالة في الأردن وفي ثلاث حالات في غاية الحساسية وهي اختطاف السفير الأردني في ليبيا السيد فواز العيطان وكذلك تغطية الأحداث الأخيرة في معان وحادثة مقتل فتاة في محافظة عجلون على يد والدها.
في قضية العيطان توجد مفاوضات تجري حاليا بين الحكومة وجهات لها علاقة بالخاطفين عن طريق وسطاء وهذا أمر طبيعي سياسيا خاصة عندما لا يكون الأمر يتعلق بدولة ذات سيطرة تامة على أمنها في وجود انتشار الجماعات المسلحة. بعض المعلومات التي يتسابق إعلاميون تزيد الامور سوءا وقد تعطل جهد الحكومة وتعرض حياة السفير للخطر. في هذه الحالة تسود المسؤولية الأخلاقية تماما على السباق نحو الخبر الصحافي لأن قيمة حياة السفير أهم بكثير من قيمة أي مانشيت في موقع الكتروني
في حالة معان ومع غياب التغطية الرسمية الموثوقة وتسابق الفضائيات على عرض صور وأحداث مثيرة وجدنا أنفسنا كأردنيين معنيين بما يحدث ضحية لفوضى عارمة في نقل الأخبار ومبالغات وتصريحات مسيئة وتضخيم لأحداث صغيرة والاستشهاد بأقوال اشخاص مضطربين وغير مؤثرين على الحالة العامة. في حال قام شخص ما برفع علم تنظيم القاعدة في المدينة فهذا لا يمكن تعميمه على الوضع بشكل عام وليس من المنطقي نشر خبر كهذا يفتح باب الفتنة والصراع والتشويه وكذلك الأمر نقل صور وتصريحات من صفحات تواصل الكتروني تم نشرها باستعجال في الأيام الماضية وخاصة من قبل “السلفية الجهادية” والتي صورت الوضع في معان وكأنها مواجهة بين السكان والأمن وبأن المسلحين السلفيين يسيطرون على المدينة.
في حالة مأساة مقتل الفتاة في عجلون قامت بعض وسائل الإعلام الإلكترونية بارتكاب خطيئة حقيقية بحق المهنية الإعلامية وبحق الأولويات الوطنية عندما نشرت إشاعات عن كون الفتاة المقتولة قد اشهرت إسلامها في محاضرة لداعية سعودي في الجامعة الأردنية منذ ايام. هذا الخبر أثار ولمدة يومين فتنة دينية نادرة في الأردن ولو ضمن حدود يمكن السيطرة عليها ولكنها كانت سابقة خطيرة قبل أن يتبين أن الفتاة المقتولة ليست نفس الفتاة التي أشهرت إسلامها. ما حدث كان حالة واضحة من انعدام المسؤولية الإعلامية.
لا يوجد إعلام سليم بلا حرية وكذلك لا يمكن الثقة بإعلام بدون مسؤولية لأنه قد يتسبب بكوارث ومشاكل لا يمكن تصحيحها فيما بعد. المعادلة هي دائما حق وواجب كما هي في أي شأن آخر في الحياة وربما نكون بحاجة إلى يوم عالمي لمسؤولية الصحافة مثل اليوم العالمي لحرية الصحافة.