لطالما قلنا أن شروط نجاح وزير الخارجية الامريكي جون كيري في مسعاه للوصول إلى تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ليست متوافرة، وأن الزيارات السابقة التي جاءت من أجل إحياء «عملية السلام» وبث الحياة في عروقها المتيبسة والتي–فاقت عشر جولات بالشرق الأوسط في موازاة مئات الساعات من المشاورات مع قادة الجانبين- جوبهت برد إسرائيلي اجهضت مبادرة كيري حتى قبل أن تبدأ ولطالما كررنا وقلنا إن أحد أهم شرطين لنجاح جولات كيري، تتمثل في وجود قيادة إسرائيلية، تقبل بمرجعيات عملية السلام والوفاء باستحقاقاتها، وهذا ليس متوفراً تمامًا في (إسرائيل) التي ينزاح مجتمعها نحو اليمينية والتطرف، والشرط الثاني يتمثل في وجود إدارة أمريكية قادرة على الضغط على الحكومة الإسرائيلية من أجل دفعها لتقديم تنازلات للقبول وهذا الشرط غير متوافر أيضًا. ولهذا فإن مسعى كيري لم ولن يكتب له النجاح وكل ما سيبذله لن يخرج عن سياسة «العلاقات العامة»، لهذا حمّل إسرائيل المسؤولية الرئيسية لتعثر مفاوضات السلام. رغم أنه كان منحازًا في كل جولاته ومحادثته للجانب الاسرائيلي، فغالبية الرأي العام الفلسطيني وبحدود 89% ترى بأنّ «اتفاق الإطار» الذي يُروّج له وزير الخارجيّة الأميركي جون كيري يصبُّ في مصلحة إسرائيل. وفي المقابل، يعتقد 3% فقط، أنّ هذا الاتفاق يخدم مصالح الفلسطينيين. هذا ما أُظهره تقرير «اتّجاهات الرأيّ العامّ الفلسطينيّ نحو مفاوضات السلام والمصالحة الوطنية» الذي أعلن نتائجه المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات بتاريخ 23 نيسان/ أبريل 2014.ويُعد هذا التقرير جزءًا من استطلاع الرأي العام الفلسطيني الذي نفَّذه المركز العربيّ في إطار المؤشّر العربيّ لعام 2014. وقد أظهرت نتائج التقريرتوافق الرأي العامّ الفلسطيني على أنّ «اتفاق الإطار» يصبُّ في مصلحة إسرائيل، سواء كان ذلك في الضفة الغربية أو قطاع غزة.
الجدير ذكره أن المركز العربيّ للأبحاث أنجز استطلاع المؤشّر العربيّ لعام 2014 في فلسطين خلال الفترة 24 كانون الثاني/ يناير 2014–2 شباط/ فبراير 2014،من خلال إجراء مقابلات «وجاهيّة»، مع عيّنة من 1520 مستجيبًا في كل من الضفة وغزة،وذلك باستخدام العيّنة العنقوديّة الطبقيّة مُتعدّدة المراحل المُنتظمة والموزونة ذاتيًّا والمُتناسبة مع الحجم. وبذلك، فإنّ نسبة الثقة في هذا الاستطلاع تبلغ 97.5%، وبهامش خطأ 2%.
ويُعدُّالمؤشّر العربيّ استطلاعًا سنويًّا يقوم المركز العربيّ بتنفيذه في البلدان العربيّة؛ بهدف الوقوف على اتجاهات الرأي العامّ العربيّ نحو مجموعة من الموضوعات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة، بما في ذلك اتجاهات الرأي العامّ نحو قضايا الديمقراطية والمشاركة السياسيّة والمدنيّة وتقييم المستجيبينلمؤسسات دولهم.
وأظهرت نتائج الاستطلاع أيضًا أنّ ثمة شبه إجماع بين الفلسطينيّين على رفض تقديم تنازلات؛ مثل الاعتراف بيهوديّة الدولة، أو القبول بالتعويض بدلًا من حق العودة، أو تبادل الأراضي، أو إبقاء سيطرة إسرائيل على المنافذ البريّة والبحريّة والجويّة، وغيرها من الموضوعات التي اعتاد الإسرائيليون على طرحها كشروط لتحقيق اتفاق سلام نهائي. ويعكس هذا، وبشكلٍ جليّ، أنّ الرأي العامّ الفلسطيني يرى أنّ الشروط الإسرائيلية تمسُّ حقوقه وثوابته الوطنية، وهو بذلك يرفض هذه الشروط بشكلٍ واسع.
الحقيقة التي يتماهى معها هذا الاستطلاع أنه وبعد ست عشريات من السنين هي أن (إسرائيل) لم تتغير وأنها ليست ناضجة للسلام واستحقاقاته وكل ما تريده عندما يقول نتنياهو بأنه مستعد للمفاوضات يعني استمراراً للاحتلال والعدوان العسكري ولخطط توسيع الاستيطان، وتهويد القدس والمقدسات وتقطيع الأوصال، وفرض الحقائق على الأرض التي تجعل إقامة دولة فلسطينية أبعد مع كل إشراقة شمس جديدة!
وكل تصريحات متفائلة يدلي بها كيري لن يغير أي شيء على أرض الواقع، خصوصاً أن الفلسطينيين ليس بمقدورهم تغييره أو تعديله الآن دون توفير شروط تسمح بإطلاق عملية سلام تكون مرجعيتها إنهاء الاحتلال، وهذا مسار يبدأ بالاتفاق على برنامج وطني فلسطيني مشترك ويحفظ الحقوق الوطنية، ولا ينتهي فقط بالاتفاق على أسس وأشكال المقاومة ومرجعيتها.
جولات كيري أثبتت فشلها و لم تحقق أيا من أهدافها، وهي مهمة لم تحقق تقدماً في المسار السياسي الذي سيبقى مسدوداً نتيجة سياسات وممارسات حكومة الاحتلال، وستكون في نهاية المطاف سراباً ووهماً كالمفاوضات السابقة، ولن تحقق أماني وأحلام الشعب الفلسطيني بالعودة والحرية والاستقلال وإقامة الدولة المستقلة في حدود عام 1967، خصوصاً في ظل الانحياز الأمريكي الكامل لـ(إسرائيل) وسياستها العدوانية!