عملياً لم يكن أي صوت معارضة أردنية له قيمة بالنسبة لإدارة ترامب، كون الأردن لم يكن في دائرة الاهتمام الأمريكي بما يكفي، لتسويغ خطاب المعارضة لأي ردة فعل امريكية.
كانت الحالة الأردنية خلال الربيع الربيع العربي قد افرزت اصواتا جديدة، ومطالبات بتعديلات واصلاحات سياسية، كان ابرزها التعديلات الدستورية، وانشاء هيئة وسيطة للانتخابات ولا نقول مستقلة بالمعنى الكامل، لكون الهيئة تدير وتشرف، ولا توقف التجاوزات، بل ترحل كل شيء للقضاء، وهو أمر لم ينتج عنه أي تغيير او وقف لعمليات تشويه المنتج الانتخابي.
ليس هذا المهم، بل إن الدولة نجحت في ابتلاع مجموعة من الأصوات المعارضة، التي كانت تقدم نفسها في زمن الربيع بأنها قريبة من تحقيق نسختها التونسية او المصرية في الأردن، ولكن ذلك كان عسير المنال في الأردن، الذي استجاب بحكمة كبيرة للمرحلة، وعرفت الدولة ان الغايات متعددة لدى المعارضة وليست كلها في سلة واحدة.
ليست كل معارضة، جسماً شيطانياً، بل هي حين تكون وطنية ضرروة لأي نظام سياسي. وعلى العموم، لم تختلف المعارضة على نظام الحكم، بعد العام 1990، بل ظل لكل منها مرجعيته الخارجية ايدلوجياً او عقائدياً، او محلية مفرطة، فجعلت الخطابات لا تلتقي، ومع ذلك كان لحدث التحول الديمقراطي عام 1989 بداية جديدة انتجت ما سمي بوثيقة الميثاق الوطني العام، التي اكدت على هوية الدولة وصيرورة تشكلها، وربطتها بمسار تاريخي عميق، ودعت لدولة مدنية وتطبيق القانون والتعددية.
كانت وثيقة الميثاق، عالية اللغة والمعاني، تصلح لان تعد مقراراً دراسياً للطلاب في مادة الفكر السياسي الأردني، لها فوائد كبيرة جمة ومعاني سامية لكن للأسف مع مرور الزمن جرى التحرر منها والانكفاء عليها.
وعقب أي حركة شعبية تلجأ الدول لامتصاص الغضب، بمواثيق ومؤتمرات وطنية، لكن الميثاق الوطني عام 1991 لم يكن كذلك، لقد كان اشبه بتجديد البيعة السياسية للحكم الهاشمي، في زمن كان فيه الأردن محاصرا وظروفه شاقة اقتصاديا، وبدت الدولة آنذاك تواجه عزلة الجار العربي قبل الصديق الغربي، ولذلك الحال ظروفه واسبابه.
في زمن ترامب، حوصر الأردن، وتجاهلنا كثيراً، سفيره لم يحضر إلا بعد سنوات من الانتظار والترقب، صفقة القرن جعلت الأردن مهمشاً، في ظل أولوية غير أردنية بالنسبة لنظام ترامب.
لكن في تلك اللحظة الترامبية- النتنياهوية المزعجة، استدار الملك عبدالله الثاني كما فعل والده الملك حسين عام 1991 وفي كل لحظة تهديد خارجي للشعب، وبين الملك عبدالله موقفه الجلي من صفقة القرن، ومُثل الأردن في حفل اطلاقها في المنامة باقل تمثيل سياسي اقتصادي في تاريخ القمم التي يحضرها الأردن، كانت رسالة جلية بأن الحضور على الطاولة لا يعني الموافقة، وعاد الملك للتوكيد على حقوق الفلسطينيين بدولة مستقلة ورفض تجديد عقد الغمر والباقورة.
آنذاك كنا في اصعب الظروف، ولكن الملك عرف أن الخلاص يكون بتبني خطاب وطني يُجمع عليه الجميع: المعارضة قبل المولاة. ومرر الأردن المرحلة دون أن يريق وجهه على موائد ترامب وجولاته.
المهم لا يعني اليوم أن وجود معارضة اردنية هو ظاهرة سلبية او قدح فيها، هي غير وطنية حين تكون مرجعيتها غير أردنية ومدعومة خارجياً، وهي وطنية كلما كانت ألصق بالبلاد وهمومها.
وختاماً، بايدن سوف يستمع للجميع، لكن الملك عبدالله الثاني، من أكثر القادة، كضرورة لترميم صورة امريكا الترامبية، واستعادة الثقة بمسار السلام العادل.