«إيران ليست في عجلة من أمرها»، وهي لا تخطط لمفاوضات مع إدارة الرئيس جو بايدن، وتتوعد بالتخلي عن «البروتوكول الإضافي» في غضون أربعة أسابيع، ما لم ترفع واشنطن العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب عليها، والأهم من كل هذا وذاك، أنها لن تعاود الالتزام بتعهداتها بموجب الاتفاق النووي، ما لم تنتقل إدارة بايدن من «الأقوال إلى الأفعال»، وتشرع في رفع العقوبات غير الشرعية التي فرضت عليها من جانب واحد قبل أزيد من عامين...هذا هو لسان كافة المسؤولين الإيرانيين هذه الأيام.
في هذه الأثناء، لم يبق قطاع واحد من قطاعات الجيش والبحرية والدفاعات الجوية والقوات الصاروخية والطائرات المسيّرة الإيرانية، من دون أن يجري مناورات في البر والبحر والجو، ويتم تباعاً الكشف عن أسلحة جديدة، تنضاف إلى الترسانة العسكرية الإيرانية...ويتوالى في الوقت نفسه، سماع دوي الانفجارات في سماء العاصمة السعودية، وتتحدث الرياض عن اعتراض أهداف جوية اخترقت مجالها الجوي، وتتوالى عمليات التعرض لقوافل الدعم اللوجستي للتحالف في العراق، وتسقط بين حين وآخر، قذائف في المنطقة الخضراء أو على مقربة من مطار بغداد.
ما الرسالة التي تريد طهران أن توصلها إلى واشنطن على وجه الخصوص، ولماذا لا تقابل طهران ما يقال إنه «مقاربة أمريكية جديدة» حيالها، بمقاربة أكثر اعتدالاً، وأكثر ميلاً للحوار والتصالح؟
في ظني أن ثمة أسباب ثلاثة تدفع إيران لرفع نبرة تهديدها ووعيدها، وإظهار عدم الاكتراث بالتوجهات الأمريكية الجديدة:
أولها؛ أنها تدرك حجم الانشغالات التي تُغرق إدارة بايدن، داخلياً وخارجياً، وأن طبول الحرب التي كان يقرعها ترامب يومياً، خفتت أصواتها إلى حد كبير، وأن شبح «الضربة العسكرية» الذي خيّم فوق سماء المنطقة، تراجع كثيراً.
ثانيها؛ أن إيران تبدو شديدة من القلق، من سعي إدارة بايدن، مدعومة بموقف أوروبي شبه إجماعي، إلى «تعديل الاتفاق النووي» ذاته، بتشديد قيوده وتمديد آجاله الزمنية، ثم أن واشنطن، وكثرة من حلفائها الأوروبيين، لم تخف سعيها لتقييد برنامج إيران الصاروخي، وبحث دورها الإقليمي «المزعزع للاستقرار»، وفقاً للتعبير الدارج على ألسنة الأمريكيين والأوروبيين.
وثالثهما؛ داخلي، إيراني، ويرتبط بالانتخابات الرئاسية التي تقرع الأبواب، واحتدام المنافسة بين تيارات الحكم الإيراني وأجنحته المتصارعة...الأمر الذي يعني، أن الفترة الممتدة حتى حزيران المقبل، ليست الأمثل، لإدارة حوار وإجراء مفاوضات مع الإيرانيين، فأعين المسؤولين الإيرانيين ستكون موزعة بين موائد التفاوض وصناديق الاقتراع.
لكن مع ذلك، فإن إيران لا تكتفي بتسطير رسائل التشدد والتحدي فحسب، فهي تبعث برسائل أخرى، من نوع: تأكيدات لا تقبل اللبس والتأويل، بالتراجع عن كل ما تم «خرقه» أو «تجاوزه» من التزاماتها، بمجرد أن تشرع واشنطن في رفع العقوبات...رسائل تهدئة لدول الخليج ومبادرات لحسن جوار وعدم التدخل...أنباء عن تعليمات لفصائل الحشد الشعبي، بالتزام التهدئة والهدوء مع القوات الأمريكية في هذه المرحلة، بوصفها مرحلة «اختبار نوايا» وليست مرحلة ضغوط متبادلة.
التكتيك الإيراني مفهوم، فثمة إجماع دولي على أن طهران كانت ملتزمة بالاتفاق المبرم، وأن ترامب تحت ضغط الحسابات الإسرائيلية، واسترضاء لبعض حلفائه في المنطقة، أقدم على الانسحاب من الاتفاق وفرض عقوبات «قصوى» على إيران...ومن حق إيران، ألا تشتري «معسول الوعود» من طاقم بايدن الحالي، فالعبرة في الأفعال لا في الأقوال و»النوايا الحسنة»...لكن أخشى ما يخشاه المراقبون، أن يتحول هذا التكتيك إلى استراتيجية، تحت ضغط المتشددين في طهران، فتخسر طهران الاتفاق والدعم الدولي الذي حظي بها، من دون أن تربح «رفع العقوبات الأمريكية».