أخر الأخبار
الاحتياج الوجودي.. حاجة الإنسان الحديث إلى الحب
الاحتياج الوجودي.. حاجة الإنسان الحديث إلى الحب

عمان - الكاشف نيوز

يفسر إيريك فروم ذلك بالتغير الهائل الذي حدث في القرن العشرين بما يتعلق باختيار موضوع "المحبوب"، فلم يكن الحب في العصر الفيكتوري "كما كان في عدد كبير من الحضارات ذات التراث تجربة شخصية تلقائية مما قد يفضي حينذاك إلى الزواج. بل بالعكس، لقد كان الزواج توثقه التقاليد إما عن طريق الأُسر المحترمة وإما عن طريق الخاطبة، أو بدون عون مثل هذه الوسائط: لقد كان يتم على أساس المقتضيات الاجتماعية وكان مفروضا في الحب أن ينمي ما سبق أن أتمه الزواج" (4). 

لكن في الأجيال الجديدة أصبح الناس يبحثون عن الحب الرومانسي والتجربة الشخصية للحب التي تفضي إلى الزواج، وهذا المفهوم الجديد للحرية في الحب قد أعلى من "موضوع" الحب على "وظيفة" الحب. 

لكن الحرية في الحب قد أفضت إلى فوضى عارمة وخوف رهيب، كما يشرح فرانك الحالة السابقة لوجود نظام الاستشارات في حلقة "Hang the DJ" وكما تشير المؤشرات العالمية لصعود العزوبية ومعدلات الانفصال بين الشركاء، هنا يجادل إيريك فروم أن مشكلة "الحب" ليست مشكلة خارجية، بل هي مشكلة تنبع من الداخل، من داخل الإنسان وقدرته على الحب، فالحب في مفهومه "فن" ومَلَكة، أي بذل وجهد، وليس إحساسا باعثا على اللذة يقع بالمصادفة في لحظة خلاص نهائي وفردوس أرضي تكلل تراكم حظوظ الإنسان الوافرة، بل إن الحب هو ما يُشكّل حلًّا لمعضلة الوجود الإنساني التي أخطأت الحضارة الغربية في الإجابة عنها، فكيف نفهم الحب مفارقا اللذة المادية؟

لكن مفهوم "الفريق"، كما يشرح فروم، ما هو إلا تطور حديث لمفهوم الحب القديم الذي يفترض أن "الإشباع الجنسي المتبادل هو أساس علاقات الحب المرضية وخاصة الزواج السعيد. لقد جرى الاعتقاد بأن أسباب التعاسة الكثيرة في الزواج قائمة في أن شريكي الزواج لا يقومان بتكيف جنسي سليم، والسبب في هذا الخطأ قائم في الجهل بالسلوك الجنسي السليم ومن ثم في التكنيك الجنسي الخاطئ لأحد شريكي الزواج أو لكليهما.. والفكرة المتضمنة هنا هي أن الحب هو وليد اللذة الجنسية، وأنه إذا تعلم شخصان كيف يشبعان بعضهما بعضا جنسيا فسوف يحبان بعضهما"

هكذا يروج الوهم العام لثقافة العصر الحديث أن حل كل شيء داخل التقنية، وأن التقنية الصحيحة ستجلب الحل السحري، لكن فروم يعود ليجادل بأن ذلك غير صحيح، فيقول: "ليس الحب نتيجة الإشباع الجنسي السديد، بل إن السعادة الجنسية -حتى معرفة ما يسمى بالتكنيك الجنسي- هي نتيجة الحب، فإذا احتاجت هذه الأطروحة إلى دليل غير دليل الملاحظة اليومية فإن مثل هذا الدليل يمكن أن نجده في المادة الوافرة لمعطيات التحليل النفسي. إن دراسة معظم المشكلات الجنسية تكرارا -البرود الجنسي عند النساء والأشكال الحادة للعقم النفسي عند الرجال- يبين أن السبب لا يكمن في نقص المعرفة بالتكنيك الجنسي، بل في أشكال الكبت التي تجعل الحب مستحيلا، الخوف أو كراهية الجنس الآخر"

وكي نفهم الحب ليس كنزوع جنسي جامح، بل كحياة داخلية فعالة تمكن الإنسان من الشعور بالحب والقدرة على الحب وفعل الحب، علينا أن نترك مفهوم الحب كظاهرة "جنسية" والذي طرحه شوبنهاور ونيتشه وفرويد من بعدهم جانبا، خاصة فرويد الذي كان له تأثير كبير على مفهوم الحب في العصر الحديث، فالحب عند فرويد أساسا ظاهرة جنسية كما يقول: "لقد وجد الإنسان بالتجربة أن الحب الجنسي التناسلي يزوده بأعظم الإمكانيات، حتى لقد أصبح في الواقع نمط جميع السعادة بالنسبة له، ولا بد لهذا أن يدفعه للبحث عن السعادة أكثر عبر درب العلاقات الجنسية، لكي يجعل من الشبق التناسلي النقطة المحورية لحياته".