أتفهم اهتمام المزارع ووزارته بالحالة الجوية، ولو كان هناك من بحر وسمك، أو رعاة ومراع، سنعذر عندئذ الصيادين وبعض الرعاة، إذ يهتمون بأخبار الطقس، ومع ذلك نشاهد اليوم غالبية من الناس مؤهلون للاهتمام بدرجات الحرارة والرطوبة، وشدة الرياح، وحالات الانجماد، ونسبة الهطول المطري، وبعضهم قطعوا مراحل في شدة الإستجابة، حتى إنهم يقومون بتخزين مواد غذائية وفيرة، لمجابهة الإحتمال المتوقع، وهو باختصار «الدنيا ممكن تشتي»..
لن أقول إن الجهل والإفلاس، هو سبب الإهتمام المفرط بأخبار الطقس، حيث أثبت علم النفس والإجتماع معا بأن «الإنسان» يسهل جعله مخلوقا تافها، مضللا؛ بلا إرادة ولا وعي، وحين يقوم الإعلام بالالتزام بنظريات علم النفس، ويأخذ على عهدته ترتيب أولويات حياتهم ثم تغيير أنماط سلوكهم، وتفريغهم من كل المضامين التي تعزز الإرادة والتفكير وترسخ المنطق في حياتهم، فإن القصة لا تتعدى أن تكون عبثا في الناس وبتفكيرهم..
الأردن «مليان»؛ بنماذج من مواطنين، كادوا أن يكونوا مختصين في كل شيء، لا يفكر أحدهم بمعنى ما يقول، ولا تساوره ثانية من تفكير بما سيقوله تنظيرا أو انتقادا او تعليقا «سمجا» على أي موضوع، «الواحد منهم» على أهبة الإستعداد للخوض في كل حديث، «مع الخائضين» أو «بدونهم»، فتجده محللا أمنيا وعسكريا وصحفيا وطبيا، ورياضيا وماليا واحتماعيا، ومستعدا أن يجود علينا بتظريات في الفلسفة والفيزياء والتفاعل الإنشطاري النووي ..فلا يوجد موضوع لا يستطيع هؤلاء الحديث عنه بثقة وبطمأنينة شاملة لا يتمتع بها سوى الفارغ، الذي لا يتمتع بإحساس ودون تفكير كذلك.. نحن هنا أمام حالة من فقدان للوعي، لا تنفع معها كل الوصفات النفسية والطبية، فالفراغ يتمدد في العقول بلا قوانين.
الضخ الإعلامي الكثيف على موضوع مهما بلغ من الضحالة والضآلة، يجعل من هذا الموضوع أولوية في اهتمام الناس، فإفراد ساعات من الفضائيات للحديث عن وصول منخفض قبل 10 أيام من وصوله، يعطيك انطباعا بأن لا شيء مهما على أجندة هذه الفضائيات، ولا أخبار ولا قضايا، سيما وأن الناس أصبحوا بلا هدف، وما زالوا يسلمون دفة قيادة تفكيرهم ويومياتهم لمثل هذه المواضيع المنتقاة من قبل وسائل إعلام بتفكير مسبق أو من دونه، ومثل الفضائيات تفعل صحف، تقوم بتحديث أخبار الحالة الجوية، وتجود بالتحذيرات، علاوة على أن كل مواطن يعتقد بأن لديه صفحة في تطبيق ما، هي مركز اهتمام العالم، ولا بد أن يكون «عنده» كلام حول أي شيء، يجود به على الكون، ويتابعه الذين يمارسون المهنة نفسها..!.
بعض المنخفضات الجوية، حازت على كلام أكثر من حبات المطر التي حملتها، أم عن الثلوج فحدّث ولا حرج، حيث تجرأت الأسئلة التي يطرحها المذيعون «الفلتات» على موظفي الأرصاد الجوية، حد تحديد ساعة وصول المنخفض، وتحديد دقيق ل»اللوكيشن» الذي سيسقط فيه الثلج، ومساحته وارتفاعه وشدة برودته، والمواطن يزداد حماسا، الى درجة الذهاب إلى الأسواق، والتهافت مع المتهافتين، لشراء «أكل»، بما فيه خبز كثير وفير، مصيره معروف..
من منكم يتذكر ترويدة الأطفال حين تصل بشائر المطر؟!
«تخبى منيح..إجاك الريح».. أخشى أن نصحو يوما فإذا نحن بمواجهة «ريح عاد».