إنضم قانون منع الإرهاب إلى قوانين أخرى في الأردن تتضمن بنودا تحد من حرية تدفق المعلومات والآراء عبر الإنترنت وخاصة قانون المطبوعات. القانون الجديد يستهدف مجموعة كبيرة من النشاطات التي يمكن أن يتم إدراجها تحت بند الإرهاب ويمنح الدولة الحق في مراقبة مراسلات الإنترنت المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي. السؤال الذي يطرح نفسه هنا ما هي الحدود الفاصلة ما بين حرية التعبير ومنع الإرهاب؟
ربما يكون من المفيد أن نؤكد على أن العنصر الأساسي في تحقيق هذه المعادلة يكمن في تحديد “المستهدف من النشاط الأمني” وهي المنظمات والتيارات والخلايا والأفراد ووسائل التعبير المختلفة التي تعمل على التحريض على العنف وترويج مفاهيم التكفير والدعوة إلى الإرهاب وتبريره. ولكن هذا النشاط الأمني يجب ألا يستهدف المؤسسات الإسلامية السياسية المشروعة، أو تلك التي تستهدف العمل الخيري الإجتماعي أو المؤسسات والمنابر السياسية والإعلامية التي تنتقد السياسات الحكومية العامة ضمن الإطار الديمقراطي وضمن الحقوق الدستورية المصانة.
لا يوجد شك في أن الأجهزة الأمنية تقوم فعلا بمراقبة الإنترنت، وتستطيع أن تحدد هوية مستخدمي الإنترنت الذين يتجاوزون القانون. والسؤال الآخر الذي يطرح نفسه هنا هو حول شرعية هذه المراقبة وهل تعتبر انتهاكا لحقوق الناس في التعبير عن الرأي؟
الجواب على هذا السؤال ليس قضية مبدأ بقدر ما هي قضية ممارسة. إذا كان الأردن مهددا بعمليات إرهابية، وهذه حقيقة وليست جدلا فكريا خاصة في سياق الأزمة الحالية في سوريا والانفلات الأمني فيها والذي قد ينشر بعض تداعياته في الأردن، فإن من واجب الأجهزة الأمنية حماية المواطنين من هذا الخطر عن طريق تحديد مصادر التهديد المحتملة ووضعها تحت المراقبة، ومن ثم التحرك في الوقت المناسب. وبما أن شبكة الإنترنت أصبحت من الوسائل المفضلة للمنظمات الإرهابية التي تستثمر هذه المساحة الكبيرة من الحريات، بالرغم من تكفيرها لمن قاموا بصناعة هذه الشبكة، فإن تبادل المعلومات الذي يتم بين أفراد الخلايا والمنظمات الإرهابية من المنطقي أن يكون مراقبا وبشكل مسبق من أجل تجنيب البلاد والعباد خطورة العمليات الإرهابية.
ولكن هذه الممارسة تعني أن يكون كل مستخدمي الإنترنت تحت الرقابة، وبما أن الغالبية العظمى من المستخدمين هم من المواطنين العاديين الذين لا يشكلون تهديدا للدولة والناس وليسوا أعضاء في تنظيمات إرهابية ولا يحملون فكرا تكفيريا يريدون ترويجه فهل يستحقون أن يكونوا مراقبين؟
إذا كان هناك مئة أو مئتي شخص في الأردن يستخدمون الإنترنت للترويج لأفكار إرهابية وتكفيرية فقد يكون من مصلحة خمسة ملايين مواطن أردني أن يكون هؤلاء التكفيريون تحت رقابة الدولة. أما التعبير عن الرأي السلمي فيجب أن يبقى حقا مصونا، وكذلك المعلومات والأسرار الشخصية التي يجب أن لا يتم استخدامها في أي نشاط أمني أو سياسي يتم بموجبه ممارسة ضغط نفسي على أصحاب هذه الأسرار أو حرمان شخص ما من حقه في العمل بسبب نشاطاته السياسية وتعبيره عن الرأي من خلال شبكة الإنترنت.
هذه حالة نموذجية وصعبة لكيفية وضع الحد الفاصل ما بين حق الدولة والمواطن في الأمن، وحق المواطن في حماية أسراره وحماية حقه في التعبير السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وهذا لن يتم إلا بعدم التدخل في حرية التعبير إلا إذا تضمنت “تحريضا على الإرهاب والعنف” يمكن أن يشكل تهديدا لحياة المواطنين وأمن المنشآت العامة، وفي هذه الحالة لا نتحدث عن “تعبير عن الرأي” بقدر ما هي حالة من “العنف والتآمر لايقاع الأذى” وهذه لا يمكن السماح بها تحت بنود حرية التعبير.
في التحليل النهائي تبقى قضية التوازن بين الأمن والحرية تتعلق بممارسة مسؤولة من قبل الدولة بأجهزتها الأمنية ومن قبل المواطنين أيضا، وليس من الصعب التوصل إلى تحقيق هذه المعادلة بنجاح إذا خلصت النوايا من الطرفين.