لم يتصل الرئيس الأميركي جو بايدن برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد مرور حوالى أربعة أسابيع على تنصيب الأول رئيساً جديداً للولايات المتحدة خلفاً للرئيس دونالد ترامب، على الرغم من اتصاله مع العديد من زعماء العالم، ما يشكّل سابقة غريبة في العلاقات الأميركية - الإسرائيلية في العقود الأخيرة. وهي تعبر عن وجود أزمة في العلاقة بين الرجلين، ولكن هل تتدحرج الأزمة إلى أزمة أكثر عمقاً بين الولايات المتحدة وإسرائيل بسبب نتنياهو؟
يقول الصحافي والمحلل السياسي الإسرائيلي المقرب من نتنياهو، عميت سيغل، في مقالة له في صحيفة «هآرتس» (14/2/2021): «إن عدداً من كبار المسؤولين الإسرائيليين مرعوبون من الخط الذي تنتهجه الإدارة الأميركية الجديدة، والذي شمل الأسبوع الماضي معارضة قرار الاعتراف الأميركي بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان، والإسراع نحو عقد اتفاق نووي مع إيران». ولا شك أن هذه الأمور من بين قضايا أخرى موضع خلاف بين تل أبيب وواشنطن. وقد اعترف نتنياهو، في لقاء له مع القناة 12 الإسرائيلية، أول من أمس، بوجود خلافات مع بايدن في موضوع الملف النووي الإيراني والقضية الفلسطينية. بمعنى أن سياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية تتناقض مع السياسة الأميركية في الملفات المذكورة، وهذا قد يؤثر على الوضع الإسرائيلي بصورة ما. مع العلم أنه في مراحل سابقة تدخّل الأميركيون في الانتخابات الإسرائيلية لصالح مرشحين من حزب «العمل»، الأقرب إلى الموقف الأميركي كما حصل مع أيهود باراك.
وليس واضحاً هل ينوون التدخل أم لا، مع أن المؤشرات تقول غير ذلك، ليس بسبب رغبتهم في بقاء نتنياهو، بل ربما لعدم وجود بديل مقنع. وكذلك مواصلة بايدن عدم الاتصال بنتنياهو إلى ما بعد الانتخابات تبدو مستبعدة؛ لأن الناطقة باسم البيت الأبيض، جين بساكي، قالت في رد على سؤال حول عدم الاتصال بنتنياهو: إن هذا سيحدث قريباً. وعلى كل حال سيسعد البيت الأبيض لو نجح الإسرائيليون في تغيير نتنياهو بشخص أكثر قرباً من مواقفهم وسياساتهم.
وفي الواقع، سيعود الأميركيون إلى موقعهم في «الرباعية الدولية» كلاعب رئيس ينسجم مع اللاعبين الآخرين بهذا الشكل أو ذاك، وهذا يتعارض مع الموقف الإسرائيلي الذي يذهب باتجاهات متطرفة جداً وكأن إسرائيل تسابق الزمن لتخريب ما يمكن في طريق تسوية سياسية عادلة تنهي الصراع في الشرق الأوسط. وهم يعلنون بوتائر سريعة عن البناء في المستوطنات، وهم يعلمون أن هذا يغضب الإدارة الأميركية الجديدة. صحيح أن بعض الإسرائيليين يشككون في مدى جدية الإعلانات المتكررة في هذا الوقت، وبعضهم يذهب إلى حد القول: إن هناك تجميداً كبيراً للبناء الاستيطاني بصورة غير معلنة، ولكن يبدو أن هذا سيكون موضع مساومات مع إدارة بايدن، ويخضع كذلك لاختبار مدى جديتها في معارضة الاستيطان.
إسرائيل تحتاج الولايات المتحدة أكثر من أي وقت مضى، ليس فقط في مواصلة دعمها العسكري والاقتصادي الكبيرين، خاصة التزام الأخيرة بتفوق إسرائيل على كل القوى الإقليمية في المنطقة، فهذا يبدو أحد ثوابت السياسة الأميركية التي تلتزم بها كل الإدارات، مع العلم أن الطفرة في المساعدات الأميركية حصلت في عهد الرئيس الديمقراطي باراك أوباما المناقض لنتنياهو في ملفات عديدة كما هو حال بايدن، بل أيضاً وبصورة ملحة في حمايتها من محكمة الجنايات الدولية. هذا التهديد الجديد والخطير على رؤوس كل القادة الإسرائيليين، بعد أن قرر قضاة المحكمة أن الأراضي الفلسطينية المحتلة، الضفة والقدس وقطاع غزة، ضمن ولايتها القانونية أي أنها مخولة بالحكم في أي قضايا ترفع إليها بشأن ارتكاب إسرائيل لمخالفات وجرائم ضد الشعب الفلسطيني. وللتذكير فقط، هددت إدارة ترامب بفرض عقوبات على القضاة والعاملين في محكمة الجنايات إن هي جرؤت على إخضاع إسرائيل للمحكمة.
ويبدو أن هذا الملف سيكون نقطة قوة للرئيس بايدن لليّ ذراع نتنياهو في قضايا أخرى، مثل الاستيطان، وفرض حقائق على الأرض من جانب واحد، وحتى لجعل إسرائيل تبتلع العودة للاتفاق النووي مع إيران في حال تم التوصل إلى حل للأزمة الراهنة مع طهران. كما أن الإدارة الأميركية يمكنها أن تضغط على إسرائيل في موضوع العودة إلى طاولة المفاوضات على أساس حل الدولتين، عندما تجد الوقت لذلك وتتفرغ لملف الشرق الأوسط. وقد تضغط قبل ذلك في مسألة السماح للمقدسيين بالتصويت في الانتخابات الفلسطينية القادمة.
الخلافات بين إسرائيل بزعامة نتنياهو، الذي يبدو أنه المرشح الأوفر حظاً لرئاسة الحكومة الإسرائيلية القادمة إذا لم تذهب إسرائيل بعد الانتخابات لانتخابات خامسة جديدة، يجب ألا تدفعنا للوهم بممارسة ضغوط جدية يمكنها أن تقلب المعادلة فتجربة أوباما مع نتنياهو ربما تكون الدليل الأكبر في حدود الضغط الأميركي الذي لا يصل إلى مستوى فرض تسوية أو حل على إسرائيل، وهو في أفضل الأحوال يذهب باتجاه دفعها للتفاوض كما حصل مع شامير ونتنياهو ولكن من دون نتائج تذكر. ولكن أي توتر أو خلاف بين إسرائيل والولايات المتحدة هو في صالح المنطقة، وربما يقلل من السياسات العنصرية المتطرفة التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية، ويمكن استغلاله إذا ما أحسنّا الأداء في تطوير مواقف وقرارات دولية كالاعتراف الكامل بدولة فلسطين.