مرسوم الحريات العامة الذي اصدره الرئيس محمود عباس من تسعة بنود لاقى ترحيباً من الأوساط السياسية والنخب، التي نظرت إليه كاستحقاق لازم لضمان إجراء الانتخابات في مناخات مناسبة.
المرسوم الذي دخل حيز التنفيذ منذ لحظة صدوره، يقدم مؤشراً آخر يجيب عن الأسئلة المتشككة بشأن إمكانية وجدية التزام الأطراف، بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في القاهرة، وقبله الاتفاق بين حركتي فتح وحماس، غير ان المواطن لا يزال يعتريه شك عميق قبل ان يلمس بالممارسة العملية إجراء الانتخابات بمراحلها الثلاث. كان مرسوم الحريات، واحداً من مخرجات الحوار الثنائي ثم الجماعي ومتطلبا أساسيا لضمان حرية الترشيح والاقتراع، دون قيود، أو ضغوط.
السؤال هو: هل كان صدور هذا المرسوم، الذي يستند في مضامينه ومواده، وحتى شكله الى النظام الأساسي الدستور، الذي يعبر حقيقة عن عمق الالتزام بالممارسة الديمقراطية في حياة الشعب الفلسطيني، نقول هل كان ذلك ضرورياً؟
من الواضح ان المرسوم يجيب عن حالة واقعية، ويعالج سلوكا وممارسة لا تنتمي لروح القانون الأساسي، واشتراطاته ما يعني ان القانون ظل مجرد نصوص نظرية، خالفته الوقائع على الأرض. خلال مرحلة الانقسام، لم يبق حجر على حجر، فيما يتصل بحقوق المواطن، وحرياته، حيث تغولت عليها الأجهزة الأمنية، وانحسرت خلالها أنشطة الحركتين الكبيرتين الواحدة ضد الأخرى في المكان الذي تسيطر عليه.
خلال هذه المرحلة الطويلة، تم خرق للقانون لحساب القانون الفئوي وانتشرت ظاهرة العداء، والانتقام والثأر، والاعتقالات الكيدية والتعذيب النفسي والجسدي، والحط من الكرامة الإنسانية.
من يراجع التقارير الدورية للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، والمراكز الحقوقية الأخرى، سيلاحظ بالتأكيد، أرقاماً تسيء لحالة حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة العام 1967، وأن تراجع الخط البياني لعدد المحتجزين على خلفية الانتماء السياسي وحرية الرأي، لم يكن ليمنع وقوع موجات كردود فعل على مواقف وسياسات الطرف الآخر.
ولكن هل ستكون حدود ممارسة هذا المرسوم فقط حتى تنتهي الانتخابات وبالتالي تبقى الحريات الشخصية والعامة، مرهونة بظروف ما بعد الانتخابات، والتي تحتاج الى مرحلة طويلة من التجاذبات قبل ان تبلغ واقعا مختلفا يقوم على إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، والسيطرة الكاملة والفعلية للمؤسسات الوطنية بما في ذلك الحكومة على كل الأراضي المحتلة العام 1967؟
إن فرضية امتداد ولاية المرسوم على الحياة السياسية والعامة للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، تحتاج إلى إعمال آليات الديمقراطية والالتزام بتنفيذ القانون، وإرساء أسس العدالة الاجتماعية ولو بحدود نسبية ما يعني ديمقراطية الأحزاب والفصائل، والاتحادات والمنظمات الشعبية كافة وكذا مؤسسات المجتمع المدني، وإلا بقيت الديمقراطية مجرد طربوش.
بمجرد ان صدر المرسوم، أعلنت داخلية «حماس»، وحكومة رام الله، ان مراكز التوقيف والاحتجاز خالية من أي معتقلين على خلفية الرأي، أو الانتماء السياسي.
غير أن تلك الإعلانات، رافقتها مطالبات، من كل طرف للطرف الآخر بضرورة الإفراج عن المعتقلين لديه، ما يعني ان المشكلة قائمة ولا تحلها التصريحات.
إذا كانت المطالبات من قبل الطرفين واقعية، فإن ذلك يعني ان ثمة عمليات تزوير للتهم الموجهة لبعض المحتجزين، حيث يمكن التذرع بأنهم محتجزون لأسباب جنائية لا علاقة لها بمن يخاطبهم المرسوم.
وبصراحة، فإن هذا السلوك ممكن جدا ووارد جداً، ذلك ان الأجهزة الأمنية تستطيع اختلاق او زرع او تزوير دلائل لا علاقة لها، بالمتهم، والوقائع على ذلك كثيرة.
وبالمناسبة، لماذا يعالج المرسوم فقط فئة المحتجزين لأسباب سياسية او بكم الأفواه، فهل سيعالج فعلاً، حالات المواطنين ذوي العلاقة بأعمال مقاومة، وهل سيعالج محتجزين بتهم جنائية ملفقة، وهل سيعالج آليات الالتزام بتطبيق قوانين الاستدعاء والاحتجاز وسلوك التعذيب ضد المحتجزين، وظروف الاحتجاز. هل يعالج المرسوم حالات من المحتجزين الذين يتعرضون لظلم، في غياب تهم حقيقية أو لأسباب لا تستحق فترة الاحتجاز؟
برأينا أن المؤسسة الرئاسية، مسؤولة عن متابعة كل ما يتعلق بحبس الحريات والاحتجاز، والتغول على حقوق الإنسان، ومراقبة الأجهزة الأمنية والقضائية العسكرية والمدنية، من اجل تحسين حالة حقوق الإنسان ان لم تكن قناعة، فلتكن على قاعدة الالتزام بما وقعت عليه السلطة من اتفاقيات دولية.
وحتى يطمئن المواطن قبل المسؤول فإنني أقترح تشكيل لجنة او جسم رسمي، او من الفصائل، او من المجتمع المدني للرقابة، على تنفيذ مضمون وأهداف المرسوم.
وحتى تقوم بذلك تحتاج اللجنة الى تفويض، بزيارة كافة أماكن الاحتجاز، السرية والعلنية المعروفة، والتدقيق في كل حالة سواء كانت لأسباب سياسية او جنائية، وبحيث ترفع تقاريرها للرئيس قبل ان يتم الإعلان عن استخلاصاتها.
هكذا يمكن ان تنتهي الادعاءات سواء أكانت من «فتح» أو «حماس»، أو من أي فصيل او جهة أخرى او حتى من مواطن، بما ينزع الذرائع، ويخلق مناخات حقيقية وإيجابية لا تخدم فقط مرحلة الانتخابات وإنما تؤسس لمرحلة جديدة قادمة، نحو مجتمع ديمقراطي يحكمه القانون، والعلاقة المتساوية للمواطنين. إن المطبات أمام الانتخابات كثيرة فلتكن معالجة ملف الحريات أول الملفات التي ينجح الفلسطينيون في معالجتها بشكل يدعو للثقة.