هنالك رواية تاريخية ظريفة تلخص موضوع الخيارات والاختيارات، فهي وان كانت تحمل في اتونها مضمون الحكاية فانها تحمل في طياتها ومدلولاتها مغزى وحكمة عميقة حيث تقول الرواية، ان رجلا كان هائما في الصحراء فوصل غدير ماء وبجانبه تمر وبينما هو يقف على مسافة واحدة بين الزاد والماء اخذ اهل القرية ينصحوه على اختلاف، فمنهم من اشار عليه بان يشرب الماء اولا حتى يرتوي وهنالك اصوات كانت تنادي ان ياكل التمر اولا عملا بالسنة.
فاخذ الرجل يفكر بين هذا الطرح ويعلل لذاك ثم يفكر ويعود للحساب ويغوص في ميزان التقدير حتى فارق الحياة من شدة الجوع والعطش وهو على حيرة من امره وبقي من حوله الناس على الغدير منقسمين على التوجه والاتجاه بين فريق يقول كان من المفترض ان يشرب الماء واخر يتحدث عن مزايا اكل التمر وخصوصياته، والجميع متجه لدفن الرجل الذي استشهد من شدة التفكير ومات وهو عطشان وجوعان ومن مرض الحيرة على الرغم ان الزاد كان بجانبه والماء كان بجواره لكن تعدد الخيارات وتنوع الاختيارات ادخله في منزلة الحيرة اي التصلب الفكري او الجمود الارادي.
منزلة الحيرة هذه تعرف باسم Paralysed.في اتخاذ القرار وهي مسالة مقيتة ومميتة ليس فقط على الصعيد الفردي لكن ايضا على صعيد اتخاذ القرار عندما تتنوع الاخيارات فان التوجهات تتعدد والاختيارات تكون اقل انتاجية والعمل يكون اقل كفاءة وحتى انجازا، صحيح ان التنوع هو شيء حميد لكن قد يكون غير كذلك على المستوى الانتاجي وحتى على مستوى اتخاذ القرار ان طالت بما يعرف بمدة التأين المعرفي.
فلقد دلت الدراسات العلمية انه كلما زادت الخيارات قلت معها الاختيارات وهو ما يقوله بيري شبوبس في كتابة معضلة الاختيار، فحينما تعدد الاصناف تقل معها معدلات الشراء او سرعة الاختيار، الامر الذي يجب ان يؤخذ في الحسبان عند الوقوف على مفترق طرق او عندما تعدد مسارات الاتجاه، فان الكثرة في التفكير الى فترة طويلة لن تحقق فائدة هذا لان المناخات قد تتغير كما البيئة قد تتبدل كما ان تعدد مشارب الحلول ستجعل من الاختيارات عقيمة، وكانها غير موجودة او متاحة، فان التوقيتات الزمنية مهمة في زمن صدور القرار وماهيتة ومكان اطلاقه وكيفيته، فان الواقعية محمودة والموضوعية اساسية والتأني مشروع لكن يحب ان لا يكون ذلك على حساب الوقت المبين وزمن الانتاج او على حساب التوقيت المناسب لاتخاذ القرار، كما ان معادلة شراء الوقت مهما كانت مهمة لكن يحب ان لا تكون على حساب الانجاز، كما أن مسالة الاستفادة من تعدد زوايا الاراء وتنوع مشارب الاجتهاد هي مسالة ضرورية لصناع القرار من باب الاستدلال الموضوعي لكن يجب ان لا تكون ذلك من في اطار البيان التوضيحي فتصبح الجملة السياسية دون بوصلة او حتى عنوان.
فان مسالة البيان هنا مسالة اجرائية وليس من المفترض ان تخضع لتقديرات موضوعية، وهذا ما يمكن اسقاطه للادارة السائدة في بعض الملفات الاجرائية التي باتت مساراتها غير معرفة واليات الاتخاذ القرار فيها لا تحتكم الى توجه واضح او حتى الى تقدير محدد كما انها غير متسقة مع السياق العام كونها لا تستند الى وسائل تخدم البيئة المستهدفة والتي ستصبح نافرة بل وغير مستجيبة وربما رافضة اذا استمرت سياسة الضمير المستتر المبني للمجهول وفي حال تم تعميق حالة الفك والتركيب من الدرجة الراسية الى المنزلة الافقية فان معادلة الخيارات والاختيارات باتت بحاجة الى ضبط ينسجم مع الايقاع العام.