كيفما قلبت الأمر لا اجد اساسا لنظرية الاستهداف المبيت لوزيرين في الحكومة من قبل الرئيس. فهو اذا امتلك السطوة لعزلهما بهذه الطريقة الصاعقة فقد كان يملك السلطة ليقرر ببساطة شمولهما في تعديل وزاري. لكن المرجح أن الرئيس فوجىء بالواقعة - واقعة الضبط - ووجد نفسه محشورا في الزاوية بين التغاضي عن الأمر أو اتخاذ إجراء. وبالنظر الى ان الحكومة تشددت في الآونة الأخيرة في تطبيق العقوبات على المواطنين العاديين فقرر الرئيس دون تردد ان يدفع الوزيران ثمن غلطتهما وفي ذلك رسالة ذات مضامين حضارية قاطعة. أما ان الضبط نفسه كان جائرا فهذه قضية أخرى لا نجزم بشأنها.
الجور أو التشدد وقلة التسامح يتكرر مع مخالفات السائقين ووضع الكمامات والمطاعم والاراجيل وفي الوقت نفسه هناك تهاون وفلتان في مناطق اخرى واحيانا ازدواجية في السلوك مع المخالفين. وتقع مفارقات مذهلة مثل حادثة مطعم الفحيص كما وصفها صاحب المطعم الذي تم جرجرته مع آخرين بتهمة عدم التباعد في المطعم ليجد نفسه محشورا في زنزانة النقل مع عدد وافر بلا كمامات مقيدين الى بعضهم ثم في النظارة مبيت اكثر من شخص على فرشة واحدة وهكذا. وإن صحت هذه الواقعة فهي تقول كل شيء عن مظاهر التخلف في الميدان.
ومن حين لآخر اتابع حوادث لا يمكن تفسيرها الا بالتخلف. مثلا ذات مرّة تم ضبط طبيب يحمل حبّة دواء مسكن من النوع المصنف ضمن المخدرات ويحتاج لوصفه طبية لم يكن يحملها فغاب اسبوعين وراء القضبان مع انه كان ممكنا بشيء من طيب الارادة وحسن الادارة التوثق من انه طبيب وأنه يعاني من آلام مبرحه بسبب ديسك في الظهر ولديه الوصفة في مكتبه بالمستشفى. لكن تم مباشرة توقيفه ومصادرة هاتفه النقال وقد كنت نائبا في البرلمان حين تدخلت لتكفيله. ونحن نزجي تحية اجلال وتقدير لمرتبات المكافحة على جهودهم العظيمة وتضحياتهم التي تصل للمخاطرة بالحياة في مطاردة المهربين وتجار المخدرات لكن لماذا القسوة والتجبر والعنف مع البائسين من صغار المستهلكين وهم بالجوهر ضحايا يحتاجون الى انقاذ وليس دفعهم الى السجن والتشرد وفقدان وظائفهم كما حدث مع شخص تابعت قضيته ولا استطيع أن أقول ما حدث معه في المركز من تجاوز على الحق والقانون والانسانية.
من مظاهر التخلف الجور على الضعيف والتزلف للقوي. ونحن نتنقل في تطبيق القانون بين التهاون الفادح والتشدد الزائد. التسامح لا يعني التفريط والحزم لا يعني التجبّر. ولعل هذه الجائحة تبين لنا كم يجب السهر أكثر على تهذيب الأداء.