منذ أن صدر المرسوم الرئاسي بانعقاد الانتخابات التشريعية والشارع الفلسطيني يعيش حالة عجيبة من الاندفاع نحو قوائم انتخابية محتملة او مرتقبة او متوقعة قد يجد المتنافس على مقعد تشريعي لنفسه فيها مكاناً على القائمة، او يترقب الانسان العادي الذي فقد الامل وذلك الذي كاد ان يفقده بقعة ضوء قد تصدر بعض الامل.
ليس بالأمر الهيّن انتظار انتخابات لحوالي ١٥ عام. وعليه، ما يحدث من حالات غير طبيعية لا يمكن استهجانه. ولكن، بعد ان نخرج من حالة التعجب بين انبهار أحيانا واستنكار أحيانا أخرى، لابد لنا ان نتوقف قليلا امام ما يجري مفرغين الازمة المتفاقمة في تزاحم القوائم.
بدء يبدو جليا ان الازمة الأولى هي في الشروع بانتخابات في ظل انقسام. وطبعا، لا نتكلم هنا عن الازمة الأكبر وهي فكرة الشرعية التي يترتب عليها انتخابات في ظل احتلال.
فمن ناحية، هناك رفض عارم تحمله كل الشعارات الانتخابية – غير الرسمية- لاتفاقية أوسلو وإصرار الجميع على ان منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.
قد يبدأ الخلل هنا بالتجلي، فلا يعترض أحد اليوم على مأساوية أوسلو وما آلت اليه امورنا من انهيارات متتالية. ولكننا نعيش ما نعيشه اليوم بهيئة أوسلو، مؤسساتنا وطريقة حياتنا وانقسامنا والهواء الذي نتنفس هو هواء أوسلو. والانتخابات التشريعية هي من اهم مخرجات أوسلو.
ومن جهة ثانية، لو أسلمنا الى ان أوسلو هي الشر المطلق الذي نريد ان نتخلص منه، فنحن نريد بلا تردد ان نسلم امرنا لمنظمة التحرير. وكأن تخلصنا من أوسلو سيترتب عليه خلاصنا الى المنظمة، ناسين ان من جلب لنا أوسلو هي منظمة التحرير الفلسطينية.
فكيف نريد ان نتخلص من شر اكيد يدعى أوسلو، ونسلم أنفسنا للمنظمة التي ورطتنا بأوسلو؟
يتم الحديث عن منظمة التحرير الفلسطينية بكونها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، بمعزل عن حقيقة واضحة وجلية تتمثل بكون رئيس المنظمة هو نفسه رئيس السلطة الوطنية التي تشكلت من أوسلو. فنحن نريد التخلص من سلطة يترأسها رجل بعينه، ونريد ان نحتمي بمنظمة يترأسها نفس الرجل الذي ندعي اننا نريد التخلص منه.
فهنا نجد أنفسنا امام انفصام حقيقي بتوجهاتنا، فمن جهة يرى البعض منا الحاجة الضرورية للانتخابات ومع هذا يرفع شعار عدم اعترافه بأوسلو ووجوب اسقاطها. ومن جهة أخرى معاكسة يرى البعض منا عدم شرعية انتخابات تمخضت بشرعية أوسلو وعليه وجب مقاطعتها، ويتفق الجميع بانقسام وجهتهم على ان منظمة التحرير هي الجهة الشرعية الوحيدة التي تمثلنا.
لنقل ان أوسلو كانت ” غلطة” منظمة التحرير وسنغفرها لهم. وعليه، سنسقط أوسلو وسنذهب لمنظمة التحرير لندير شؤوننا. اين هو الباب الذي يدخلنا الى منظمة التحرير التي يسيطر عليها رئيس السلطة “الأولوية” ويقرر من يمكن الدخول اليها ومتى يمكن ان تفتح أبوابها؟
بكلمات أخرى، واهم منا من يظن للحظة ان مشكلتنا بأوسلو هي بمعزل عن منظمة التحرير الفلسطينية. ومصاب بالعمى منا، من يرى ان سلطة أوسلو وسلطة المنظمة مختلفتين.
نعم تصب المصالح بينهما لكي يكون هناك فائض من الأماكن التي يتزاحم اولي السلطة بين أوسلو والمنظمة على الاستحواذ عليها. ولكن بالحالتين فإن الرأس واحد.
وهنا، عند الحديث عن المقاطعة، ما الذي نحاول ان نقوله؟ نريد اسقاط الشرعية عن أوسلو. ولكننا لا نريد اسقاط الشرعية عن منظمة التحرير.
ولنقل ان هذا حق من يدعي الحق بذلك. ولكن ما الذي يريده منا من قرر اجراء الانتخابات غير تأكيد شرعيته؟ فهل النية بعقد الانتخابات هي غير ما رأيناه بوضوح من تقاسم المنقسمين على شرعيتهم من خلالنا كشهود الزور؟ يريدون انتخابات ليجددوا سطوتهم وطغيانهم واستنزافهم لما تبقى منا كشعب وارض ومكاسب لهم. فلا يأبهون لمقاطعتنا للانتخابات بل يهمهم الا ننتخب. فحيلتهم بالتقاسم كما اتفقوا فيما بينهم لا تحتاج الى خبرات تحليلية. فلا يمكن اقناع طفل ان خصام واقتتال وعداوة ١٥ سنة لم تنجح كل محاولات التصالح من خلالها ان تنتهي باقتسام شرعية فيما بينهم بلا حتى تصالح. توافق على المصالح الخاصة بالتقاسم فقط.
لو كانت النية الحقيقية هي نية انتخابات، لتم تشكيل حكومة وفاق على الأقل حتى تقوم بتسيير الاعمال والتحضير للانتخابات.
انتخابات قائمة على فرقة مستحيلة التطبيق.
من الناحية الأخرى نقف امام التزاحم على القوائم الانتخابية من كل الاتجاهات. ما يجري بفتح من انقسامات يهدد بالتأكيد بحتمية فرضية تأجيل الانتخابات. بنفس السياق، يبدو التسابق على تشكيل قوائم للمنشقين من فتح (فتح الرئيس) بقوائم مختلفة مثيرا للريبة. فمن جهة هناك فتح التي تهيمن على المشهد من حيث فرض الامر الواقع، ومن جهة هناك فتح المنشقة الى انشقاقات متعددة تحاول ان تظهر بصورة منفتحة للناس. طبعا، ففتح انغلقت عن الناس منذ صارت السيادة نخبة ومعالي وصاحب مقام. والشعب ليس الا أدوات بأفراده يتم تسخيره لمصالح أصحاب السيادة او السطوة الفتحاوية.
لا أستطيع القاء اللوم على حال الشارع الذي فقد الثقة بالقيادة والناس ولم يبق له الا الاستحواذ بما يحمي به نفسه للبقاء وموجهة الطاغوت المهيمن من الفساد والاستحواذ في غياب وتغييب صارخ للقانون الا ما نتج عنه مراسيم رئاسية متوالية للتحكم بالقانون للتأكد من السيطرة المطلقة على ما تبقى منا، وطن ومواطن.
فالفاسد هو من يهيمن، وتبدو النزاهة بعيدة عن أي تصور. فقدان مطلق بالثقة لكل من له يد بالسلطة. ومن جانب اخر، خوف اكيد من سيطرة وسطوة كل من له سيطرة وبسط يده على الحياة والارزاق. فلا امل امام الانسان العادي الا الامل بحل يأتي من الله.
ولكن، هناك حالة اكيدة وحيدة، وهي انعدام فرص استمرار الوضع كما هو عليه من حيث إبقاء شرعية السلطة بشقيها. فالدعوة الى الانتخابات اوقعتهم بشرك لا يستطيعون الخروج منه. وكأن الشعب نفسه خرج كالمارد من المصباح، لم يعد بالإمكان ارجاعه. وكأن فرصة الانتخابات هي فرصة نادرة لا يمكن ان ننتظر حدوثها الى اجل غير معلوم اخر. وهذا صحيح. وعليه، فإن الحاجة للتغيير لم تعد مطلبا بل صارت واجبا علينا كشعب. فلا يمكن ان نستمر بالعيش هكذا. فكما فقدت السلطة شرعيتها وتحتاج لإعادتها لتستطيع الاستمرار، فالشعب كذلك اقترب من فقدان انسانيته وعليه ان يبدأ بعملية التغيير من هذه اللحظة. وعليه، فان الانتخابات تبقى فرصة لتنظيم أنفسنا واخذ زمام امورنا بيدنا لنبدأ بعملية تغيير نبدأها بأنفسنا. نحن شعب مثلنا معاني الصمود والبناء لشعوب كثيرة، نستطيع ان نعيد بناء بيتنا الفلسطيني الذي يمثلنا. يمثل امالنا وتطلعات أبنائنا. علينا ان نكون بقدر ما نحن عليه من شعب يستحق الحياة. استحقاق الحياة لا يقدم بل يؤخذ.
والتغيير قادم بالتأكيد، وعليه، علينا التمسك بهذه البقعة من الامل لنشق من خلالها الطريق الى المستقبل.