اسرائيل بلا بوصلة سياسية انتخابية، هذا ما يقوله معظم المتابعين للشأن الانتخابي، فمن يتابع الانتخابات الاسرائيلية يستطيع مشاهدة هذا العنوان العريض فالأحزاب الاسرائيلية غدت بلا برامج متباينة وحتى الائتلافات الانتخابية اصبحت بلا مناهج واضحة مما جعل المشهد الانتخابي يبحث عن مضمون يمكنه ان يحدث درجة التمايز السياسي لبناء أرضية عمل للمطبخ القرار والذي مازال يبدوا انه مجهول العنوان ومختزل المضمون وإن كانت مخرجات المشهد اصبحت مقروءة.
حيث بدت الاحزاب الاسرائيلية وكانها متخندقة بين اتجاهين احدهما محافظ والآخر محافظ متشدد بينما
تشابهت جميعها بمنطلقاتها والمحددات وبات الاختلاف القائم بين هذه الاحزاب يدور في الغرف المغلقة لا يرى بالعين المجردة ويقوم فقط على اسلوب العمل واليات التتفيذ وهذا ما جعل من المجتمع الاسرائيلي يبدوا وكانه مجتمع شمولي الطابع وليس تعددي النشأة وديموقراطي النهج، هو النهج الذي كان يميز المجتمع الاسرائيلي عن غيره من مجتمعات، لكن يبدو ان عدوى اللاديموقراطية اثرت على النهج الاسرائيلي بدلا ان يؤثر بها.
فالاحزاب الاسرائيلية كان يعول عليها دائما ان تشكل العناوين السياسية لبيت القرار القادم لكن يبدو ان باب الاجتهاد قد اغلق لديهم بينما أكتفى معظمهم بالبحث عن توافقات تسند للهويات الفرعية وتقوم على التنوع الديموغرافي بدلا من مسألة التعدد السياسي واخذت احزاب الائتلاف الحكومي تشكل تجمعا كتلويا انتخابيا لاستثمار النجاح الذي حققه المجتمع الاسرائيلي في الحد من انتشار الوباء وعودة الحياة الى طبيعتها بعدما استطاعت الحكومة الاسرائيلية انهاء المرحلة الاساسية من التطعيم باتت المدارس والمقاهي واماكن التجمعات تستعد للعودة الى طبيعتها، وهذا ما أدى إلى تعزيز مكانة نتنياهو في المشهد الانتخابي.
لكن ما هو غريب، ان النقاش العام في الانتخابات الاسرائيلية بات يتمحور حول شخصية نتنياهو وليس للبرنامج الذي كان من المفترض الحديث حولة وعليه مثل المفاوضات والهجرة والعدالة الاجتماعية، وبات البعض يتحدث على استحياء عن مكافحة الفساد والازمة الاقتصادية،بينما بقيت حالة الاصطفاف تقوم حول قدرة نتنياهو على تشكيل الحكومة بعد نجاحاته الخارجية في تطبيع علاقات اسرائيل مع اربع دول عربية هذا اضافة الى خبرته السياسية الوازنة، وان كانت مسألة تغيير بيت القرار في واشنطن لم تات على هواه بل وينتظر ان تكون في الاتجاه المغاير لتطلعات نتنياهو في تشكيل الحكومة القادمة كما يصف ذلك بعض المتابعين، وهذا ما قد يشكل لنتياهو عقبة سيصعب علية تجاوزها.
لكن تلميذ نتنياهو جدعون ساعر المنشق عن حزب الليكود بحزب الامل الجديد ويتزعم إتلاف المعسكر الديموقراطي ربما يمتلك الاجابة وهو يقدم نفسه بديلا لرئاسة الحكومة القادمة وقد يكون مفضلا لاغلبية الاحزاب لكونه يمتلك روح التعامل الجماعي وهو يميني مما يجعله قادرا لاستمالة الاحزاب المتارجحة وان كان ياخذ عليه قلة الخبرة في ادارة الشؤون الخارجية والامنية، لكنة قد يكون حصان الرهان في حال حظي بدعم غانتس ويائير لبيد للائتلاف الحكومي وهذا ممكن باعتباره يشكل شخصية قريبة يمكن التعاطي معها مع بيت القرار الجديد في واشنطن كما يصف ذلك احد السياسيين.
ومن على ما تقدم من استعراض واستخلاص للمشهد الاسرائيلي فان مضامينه تدل دلالة واضحة ان طبيعة المشهد الانتخابي لن تكون ذاتية بالمعنى الصرفي بل ستكون للظرف الموضوعي الكلمة، كما ان حالة الاصطفافات الحزبية السائدة في الانتخابات الاسرائيلية والتي تجري للمرة الرابعة في عامين تقوم على شخصية رئيس الحكومة ولا تقوم على برنامج مطروح او تجاذب منهجي معلوم، وهذا ما يجعل من الانتخابات الاسرائيلية تكون سياسيا بلا بوصلة.