تفصلنا عن الانتخابات التشريعية حوالى عشرة أسابيع، ولا تزال الأحزاب والقوى السياسية الفلسطينية لم تحسم أمرها بخصوص قوائم المرشحين للانتخابات، سواء القوائم الحزبية المنفردة أو الائتلافات التي تضم أكثر من حزب وقوة سياسية. ربما الوحيدون الذين حسموا أمرهم هم المستقلون مثل سلام فياض، وحتى عضو اللجنة المركزية ناصر القدوة الذي قرر التنافس في قائمة منفردة ومستقلة بعيداً عن القائمة المركزية لحركة «فتح». والواقع يشير إلى وجود صعوبات في إقناع القواعد الحزبية وأيضاً إيجاد أسس للتوحد والائتلاف عدا سيطرة الأنا الفردية على المستوى الداخلي، والأنا الحزبية في العلاقة مع الآخرين.
«حماس» حتى اللحظة لم تقرر بشكل نهائي، وإن كانت أقرب إلى الذهاب بقائمة «حمساوية» منفردة في ظل تعثر الذهاب مع «فتح» في قائمة ثنائية أو ائتلافية أوسع. والحركة في حقيقة الأمر تخشى أن تخضع لعقوبة الناخب وعلى وجه الخصوص في قطاع غزة، بعد سنوات عجاف امتدت لحوالى 14 عاماً من حكم لم يستطع أن يوفر الحاجات الأساسية للمواطنين بسبب الحصار الذي فرض على غزة بعد انقلاب «حماس» على السلطة في العام 2007، ما خلق مشكلات جوهرية طالت كافة مناحي الحياة التي عانت من نقص شديد في الكهرباء والماء، ومن ارتفاع معدلات البطالة، خاصة لدى الشباب والتي تجاوزت حاجز الخمسين بالمئة، هذا عدا التلوث وسوء الشروط الصحية والإغلاق الذي حرم الناس من حرية الحركة خارج قطاع غزة سواء باتجاه الضفة المحتلة أو نحو العالم الخارجي باستثناءات قليلة وغالباً دفع المواطن ثمنها باهظاً. هذا عدا القمع ومصادرة الحريات والظلم في توزيع الأعباء الاقتصادية والحصول على المغانم والامتيازات. وبالنظر إلى توقع نسبة مشاركة عالية في التصويت في قطاع غزة، من الطبيعي أن تخشى «حماس» نتائج تصويت الغزيين حتى لو حصلت على كتلتها الداعمة المغلقة في كل من غزة والضفة.
أما «فتح» فهي تواجه تحديات كثيرة منها وجود تيارات أو أشخاص لا يرون أنفسهم جزءاً من القائمة المركزية، مثل ناصر القدوة وآخرين، عدا التيار الذي يمثله محمد دحلان، والذي يتوقع له أن يحصل على نسبة من المقاعد على حساب كل من «فتح» و»حماس» على السواء؛ لأنه خارج السلطة ويقدم دعماً للناس بأشكال مختلفة، بينما «فتح» تمثل السلطة في الضفة و»حماس» تمثل السلطة في غزة.
ويبدو أن «فتح» ستدفع ثمن قرارات ومواقف السلطة في كثير من الأمور ليس أقلها ما جرى مع موظفي قطاع غزة ومع قطاعات الشهداء والجرحى الذين لم يتم اعتمادهم وصرف رواتب لهم. كما ستدفع «فتح» ثمن قرارات السلطة الأخيرة، خاصة المراسيم بقوانين المتعلقة بالسلطة القضائية، وأخيراً تعديل قانون الجمعيات والمنظمات الأهلية الذي خلق سيلاً من المعارضة والانتقادات للسلطة، وكذلك مرسوم تأجيل الانتخابات النقابية والذي اتخذ على ما يبدو بسبب وجود خلافات في أوساط قيادات هذه النقابات، خاصة التابعة لحركة «فتح». وليس واضحاً كيف ستكون قائمة «فتح» هل تكون واحدة كما قالت اللجنة المركزية في اجتماعها أول من أمس. أم ستكون عدداً من القوائم حتى لو لم تحمل مسمى «فتح». وعلى الرغم من أن «فتح» لا تزال الأكثر شعبية في أوساط الجماهير فمن دون شك سيؤثر عدد القوائم والخلافات الداخلية على حصتها. وهذا ربما ما تراهن عليه «حماس».
وفصائل اليسار ليست في حال أفضل، فهي إضافة إلى كونها ضعيفة ولا تحظى بشعبية كبيرة، لم تنجح حتى اللحظة في التوحد بقائمة واحدة ربما تنقذها من الهلاك والتلاشي. والسبب كما ذكرنا أعلاه هو الأنا الحزبية والشخصية التي تمنع الناس من التفكير بالمصلحة الوطنية التي تقتضي وجود كتلة ثالثة وازنة وقادرة على احتكار التوزيع الثنائي للسلطة ومراكز القوى. ولو كان التفكير بوجود هذه الكتلة حاضراً فهذا يوجب التنازل من القوى الأوفر حظاً في الحصول على المقاعد لضمان تمثيل الجميع بما يعزز حضور اليسار ويخلق أملاً للناخبين بوجود طرف ثالث قوى وقادر على التأثير في المعادلة السلطوية والوطنية. مع العلم أن الوحدة في حد ذاتها تجلب المزيد من المقاعد وتعزز وضع مَن لا يستطيع تجاوز نسبة الحسم لوحده وفيها فائدة للجميع. وهذا يشترط التفكير بطريقة أشمل وأوسع من تمثيل بعض الشخصيات الحزبية هنا وهناك.
وبالعودة إلى المستقلين ربما يكون سلام فياض الأوفر حظاً في الحصول على مقاعد من باقي القوائم لأنه الشخصية التي أثبتت حضوراً في الحكومة كرئيس للحكومة وقبلها كوزير للمالية، وهو قادر أكثر من غيره على مخاطبة المجتمع الدولي ولديه برنامج ورؤية أوضح في موضوع بناء الدولة وتعزيز الاستقلال الفلسطيني تمهيداً ودعماً لفكرة إنهاء الاحتلال. غير أن قائمة فياض القادمة لن يكون بمقدورها وحدها أن تشكل القطب الثالث المؤثر والقادر على كسر احتكار السلطة والثنائية القائمة. وربما تؤثر تركيبة المرشحين في حجم الأصوات التي يمكن أن تحصل عليها.
والمؤسف في التحضير للانتخابات القادمة هو غياب النقاش الجدي حول البرامج الانتخابية والتركيز أكثر على الأشخاص، حتى الذين يريدون المنافسة على الترشيح لا يفكرون في البرنامج الذي على أساسه يرغبون في الترشح، وكأن العملية تحولت إلى صراعات على المواقع أكثر من التنافس على إحداث تغيير حقيقي في الوضع الفلسطيني على المستويين الداخلي والخارجي باعتبار أن إعادة ترتيب الأوضاع الداخلية جزء من المعركة الوطنية الكبرى لإنهاء الاحتلال وانتزاع الحرية والاستقلال.