وكأنهم غائبون عن كل شيء وكأن كل هذا الذي يجري في المنطقة وخارجها يجري في جزر «واق الواق» وكأنهم لم يسمعوا بهذا الزلزال الذي يضرب بكل هذا العنف أركانهم ولم يسمعوا بالشيخ راشد الغنوشي ولم يقرأوا تصريحاته الأخيرة وكأنه لم يحدث في مصر هذا الذي حدث وكأنهم لم يفقدوا حُكْماً لم يستطيعوا المحافظة عليه كالحركات الحية التي تراجع مسيرتها دائماً وبإستمرار والتي تتعلم من أخطائها ولديها الثقة الكاملة بنفسها لتعترف بهذه الأخطاء وتبادر إلى تصحيحها.
فـ»الإخوان المسلمون» عندنا هنا في المملكة الأردنية الهاشمية بدل أنْ يستمعوا لـ»إخوانهم» سواءٌ في جماعة ظاهرة «زمزم» أو الذين لا زالوا يكظمون الغيظ في قياداتهم العليا ويصبرون صبر أيوب على ما يرون ويسمعون ركبوا كعادتهم أحصنة المزايدات وألقوا بغسيلهم المتسخ على حبال الآخرين وكالعادة أيضاً وَصفوا أصحاب وجهة النظر «الإصلاحية» من داخلهم بأنهم «يخدمون جهات أخرى تستهدف الجماعة والنيل من وحدتها وتماسكها.. وهي جهات طالما سعت لتفتيت الحركة الوطنية ودق الأسافين بين مكوناتها لإضعافها واختراقها والسيطرة على برامجها وقراراتها»!!.
فمن هي هذه الجهات..؟
إنها التي لا تزال تغمض عيونها عن أخطاء الإخوان المسلمين و»عنترياتهم» وتجاوزاتهم ومخالفتهم للقوانين السارية التي تحظر على أي تنظيم في هذا البلد أن يرتبط بتنظيم خارجي وأن يُقسم أعضاؤه يمين :»الولاء والطاعة» للمرشد الأعلى الذي هو غير أردني وأن يتمسك بإزدواجية العضوية بين حزب جبهة العمل الإسلامي وبين «الجماعة» التي كانت أكدت ،عندما جرى إنشاؤها، على أنها فرعٌ لـ»إخوان» مصر والتي لم تصحح أوضاعها حتى الآن ولا تزال منْ الأمر الواقع تنظيماً مصرياً ينتمي إلى جماعة مصرية ويرتبط بها تنظيمياً وعقائدياً وفكراً وسياسة وفي كل شيء.
لو أن هذه «الجهات الأُخرى» التي تحدث عنها «عنترة بن شداد» هذه الجماعة تستهدف جماعته ،كما قال، وتريد النَّيْل من وحدتها وتماسكها فلما استطاع أن «يبْغم» بكلمة واحدة مما قاله ولبادرت ،أي هذه الجهات، إلى فتح الدفاتر العتيقة ولألزمت الإخوان المسلمين ،الذين يثبت تاريخهم أنهم بقوا يعضون الأيدي التي تتقدم إليهم بإحسان وبقوا يواجهون الحسنة بالسيئة، بتصحيح أوضاعهم بقوة القوانين النافذة التي يجب أن يلتزموا بها رغم أنوفهم!!.
إنه غير صحيح أنَّ ما يجري في الإخوان المسلمين ،إنْ هنا في الأردن وإن في مصر حيث التنظيم الأم وإن في كل مكان، هو مجرد «فقاعة» ،كما قال هذا الذي لا فضَّ فوه الذي حتى يقول هذا القول إمَّا أنه مناكفٌ ومكابرٌ ويرفض رؤية الحقائق أو أنه :»غائب طوشة»، والدليل هو ما قاله قبل أيام الشيخ راشد الغنوشي في مذكرة النقد الذاتي ،التي تقدم بها إلى إجتماع قيادات التنظيم العالمي الذي إنعقد أخيراً في اسطنبول، حول تجربة الإخوان المصريين المُرَّة والتي حاول رجب طيب أردوغان التستر عليها وإخفاءها.. خوفاً من «الفضائح»!!.
قال الغنوشي في هذه المذكرة :»إن إخوان مصر فقدوا الحكم بطريقة صبيانية» ووصف سياستهم بـ»المرتبكة والإرتجالية والمترددة».. وأن أعينهم كانت منذ البداية منصبة على المفاوضات والمساومات وإنهم لا يعترفون بأن تجربتهم في إدارة الدولة محدودة إن لم تكن معدومة.. وكانت الصدمة الأكبر عندما أخذهم الغرور كثيراً فأرادوا أن يُحكِموا سيطرتهم على مفاصل الدولة كلها بأدوات قاصرة وعلى كل الصعد».. فَمَنْ نُصدق يا ترى..؟ هل نصدق هذا الرجل المخضرم الذي كان حُكم عليه بالإعدام في عهد الحبيب بورقيبة والذي أجبر على مغادرة بلده في هجرة طويلة مع بدايات عهد زين العابدين بن علي والذي مرَّ بتجربة حزبية وسياسية غنية قبل أن يؤسس حركة النهضة ويلتحق بالإخوان المسلمين .. أم نصدق هذا الذي سمعنا منه كل هذه «البهدلات» لمجموعة من المفترض أنهم لا زالوا إخوانه وكل هذه الإتهامات لـ»الجهات الأخرى» التي لو أنها تستهدف جماعته فعلاً لكانت هذه الجماعة قد تفرقت «أيدي سبأ» منذ فترة بعيدة.